للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الإتيان بالعبارتين؛ فإنهما صورة، فلا يسوغ تغييرها. وإنما يختص الأب بأنه يتولاهما معاً. فأما إسقاط أحد الشقين؛ فإنه تغيير صيغة العقد بالكلية.

ومن أصحابنا من قال: يكفيه الإتيان بأحد الشقين. ووجه ذلك أن قول القائل: "بعت" من جهة الصيغة مستقل بنقل الملك، وقول القائل "اشتريت" مستقل في فحواه بإفادة التملك، وإنما شرطنا لفظين بين المتعاقدين؛ من جهة أن أحدهما لا يقدر على [إلزام] (١) الثاني ما يريده، فأقام الشرع تخاطبهما مشعراً بتراضيهما على موجب العقد.

فإذا كان الأب يستقل بنفسه في إيقاع العقد؛ فإيجابه قبول، وابتياعه بيع.

ويجوز أن يعترض على هذا، فيقال: لو صح هذا؛ للزم أن يقال: إذا قال الطالب لمالك المتاع: "رضيت بأن تبيع مني". فقال: "بعت"، وجب أن يكفي ذلك، وإن لم توجد صورة القبول، وينقدح في الجواب عنه؛ أنا على هذا بنينا صحة العقد بالاستدعاء والإسعاف على قول، فإذا قال الطالب: "بع مني عبدك هذا بألف" فقال: "بعت" ففيه الخلاف المعروف، وسيأتي مشروحاً في باب ألفاظ النكاح، فإن جعلنا الاستدعاء والإسعاف عقداً، فقوله: "رضيت بأن تبيع مني" لا يبعد أن يكون كقوله: "بع مني". وسنذكر هذا وأمثاله من بعدُ، إن شاء الله تعالى.

٧٩٤٠ - فإذا تمهّد هذا؛ قلنا بعده: إذا أراد الولي أن يتزوج امرأة، نُظر: فإن لم يكن الإمامَ الأعظم، فلا سبيل أن يتولى الطرفين، ولكن إن لم يكن للمرأة ولي خاص، يرفع أمره إلى والٍ آخر يملك التزويج.

وإن أراد الإمام الأعظم أن يتزوج امرأة بحكم الولاية، فهل له أن يتولى طرفي العقد؟

فعلى وجهين مشهورين: أحدهما -وهو القياس- أنه ليس له ذلك؛ فإن ولايته ليست على رتبة ولاية الأب، وكذلك لا يملك الإجبار إلا في محل الضرورة، كما ذكرناه فى المجنونة، بل ولايته مؤخرةٌ عن ولاية عصبات النسب الذين يقعون حاشيةً منه.

والوجه الثاني - أنه يملك تولي الطرفين؛ من جهة أنه والي الولاة. والناس قاطبة رعيته، من يلي منهم ومن يُولَى، وليس فوقه منصب حتى يفرض فيه وال، ويُقدر هو


(١) في الأصل: التزام.