للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس واحد منهما بأن يسمى قابلاً أو موجباً أولى من الثاني.

والصورة الثانية - أن يتقدم إيجاب، ويترتب عليه قبول، فأما طلب الإيجاب؛ فإنه ليس شِقاً في العقد، ولا قبولاً مترتباً على الإيجاب، وكأن معناه: ابتدىءْ العقدَ (١)، فإذا ابتدأ العقد، قبله بطريق قبوله.

ومن قال: لا حاجة إلى القبول؛ احتج بأن الغرض من شِقّي العقد، صدورُ لفظين من الجانبين يدل على رضاهما بموجب العقد على جزم، وهذا المعنى يحصل بالاستيجاب والإيجاب، وأيضاًً؛ فإن اشتراط القبول، سببه ألا يدخل الشيء في ملك الإنسان قهراً، وإلا فالقياس الاكتفاء بالتمليك؛ فإذا استوجب؛ فقد تحقق ما اشتُرط القبول لأجله.

فإن قيل: لم قطعتم بصحة العتق والطلاق على مال والصلح عن دم العمد؟ قلنا: لأن الغالب على هذه المعاملات التعليق، ولذلك تصح مع صيغة التعليق، ولهذا يصح بذل المال على الطلاق والعتاق من أجنبي، فرجع حاصل الأمر في هذه العقود إلى [افتداءٍ] (٢) مجرد. وآية هذا: أن المبيع إن قُبل (٣)، كان قبوله تملكاً له، والطلاق لا يَقْبل ذلك، والعَتاق (٤) والعفو عن الدم، والمقصود من هذه العقود العفو، والعتق، والطلاق، والأعواض تجري فيها على طريق التبعية.

وأما النكاح -والعوض وإن لم يكن مقصوداً فيه، بخلاف الثمن- فالعوض فيه ألزم منه في الطلاق والعَتاق والصلح، بدليل أن هذه المقاصد الثلاثة يمكن تحصيلها من غير عوض، والنكاح لا يخلو عن العوض في وضعه، إلا في مسألة شاذة، سيأتي الشرح عليها، إن شاء الله تعالى.

وأيضاًً، فإن الخاطب إذا قبل النكاح، فقد قبل لنفسه حقاً مستحقاً، فانتظم القبول فيه وإن لم يتأصل العوض فيه.


(١) أي: ابتَدِىء العقدَ حتى أقبلَه بطريق قبوله. (هكذا بسط العبارةَ ابنُ أبي عصرون).
(٢) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ت ٣).
(٣) ساقطة من (ت ٣).
(٤) ت ٣: العتاق (بدون واو).