للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جمع الأستاذ أبو إسحاق مسائل خلافية وفرض الخلاف مع أبي حنيفة في وطء الشبهة، وهذا مما لا يعتد به.

ثم قال من حكى هذا القول: إذا قلنا: يتعلق تحريم المصاهرة بوطء الشبهة؛ فهل تتعلق به المحرمية؟ فعلى قولين، وهذا أقرب (١)؛ من جهة أن المحرمية إنما تثبت في المصاهرة لمسيس الحاجة إلى تداخل البيوت؛ وهذا المعنى لا يتحقق في وطء الشبهة. والمذهب الذي عليه التعويل أنه يتعلق بوطء الشبهة الحرمة والمحرمية (٢). ولست أعرف خلافاً أنه يتعلق به النسب والعدة.

فإن طلب طالب فرقاً، فالماء محرم، وحرمة المصاهرة تتبع المحرمية، والمحرمية تتبع حاجة المداخلة، فينفصل الباب عن الباب.

ولو تحققت الشبهة في أحد الطرفين دون الثاني، والتفريع على أن الشبهة إذا عمّت الطرفين تثبت الحرمة والمحرمية، وهذا هو الأصل. فلا عود إلى غيره.

فإذا لم تعم الشبهة الجانبين؛ فحاصل المذهب ثلاثة أوجه: أحدها - أن التحريم لا يثبت، لسقوط الحرمة من أحد الجانبين.

والثاني - أنه يثبت لثبوته في أحد الجانبين.

والثالث - أن الاعتبار بجانب الواطىء (٣)؛ فإن الله تعالى قرن بين الصهر والنسب، فقال عز من قائل: {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤]. ثم الاعتبار في النسب بالواطىء.

وجمع الأئمة الحرمات، فقالوا: هي النسب، والعدة، والمهر، وسقوط الحد، وحرمة المصاهرة. فإذا كانا عالمين بتحريم الوطء؛ فلا يتعلق بذلك شيء.

وإن كانا جاهلين؛ ثبتت الحرمات، ولا تعويل على القول البعيد.


(١) وهذا أقرب: أي التردد في إثبات المحرمية مع حرمة المصاهرة في وطء الشبهة.
(٢) اقتصر الرافعي والنووي على حكاية رأي إمام الحرمين والجمهور، فقال الرافعي: "وفي إيجاب وطء الشبهة المحرمية مع الحرمة وجهان ويقال قولان: أحدهما - نعم، والثاني - لا".
ا. هـ ملخصاً (ر. الشرح الكبير: ٨/ ٣٦، والروضة: ٧/ ١١٣).
(٣) في النسختين: الوطء.