للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاطمة بعيب، فما الفرق بين هذا وبين الغِيبة؟ وفي الحديث " أن الغيبة: أن تذكر الإنسان بما فيه مما يكره ذكره، فإن ذكرته بما ليس فيه، فقد بهتّه" (١). وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، فضحه، ولو في جوف رحله" (٢). فكيف سبيل الجمع بين هذه الأخبار؟

قلنا: إذا ذكرتَ ما في الإنسان لغرض صحيح - وهو أن يكون إلى ذلك حاجة، أو طلبتَ نصيحةَ مسلم لتحذِّره، أو أردت مخايرةً بين شخصين، فلك في هذه المواضع أن تذكر ما في الشخص، ولك أن تتعرض لأمثال هذا وأنت تنفذ وراء الأحاديث في ردٍّ أو ترجيح (٣)، ولا شك في ذلك وأنت تُجرِّح الشاهد.

فخرج من ذلك: أن من ذكر في الإنسان ما هو فيه، وصدق، وكان لغرضٍ [ممّا] (٤) ذكرناه، فليس مغتاباً، وإنما المغتاب من يقصد أن يفضح إنساناً، أو يهتك ستره، أو يتعلل بذكر الناس تفكّهاً؛ فهذا محرّم.

ويلتحق به من (٥) يتقرب إلى إنسان بذكر عدوّه بالسوء. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس" (٦).


(١) حديث الغيبة رواه مسلم عن أبي هريرة، بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهته" (ر. مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الغيبة، ح ٢٥٨٩).
(٢) حديث "من تتبع عورة أخيه ... " هذا جزء من حديثٍ عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر؛ فنادى بصوتٍ رفيع، قال: "يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يُفض الإيمان إلى قلبه ... الحديث" رواه الترمذي: كتاب البر، باب ما جاء في تعظيم أمر المسلم، ح ٢٠٣٢، وصححه الألباني: صحيح الترمذي: ح ١٦٥٥، وصحيح المشكاة ٥٠٤٤، التعليق الرغيب: ٣/ ٢٧٧.
(٣) أي يجوز ذلك (أي ذكر الرجال بسوء) إن في مجال التضعيف والتصحيح للحديث، وفي مجال ردّ الشهود.
(٤) في النسختين: فيما.
(٥) في النسختين: ويلتحق به أن من يتقرب إلى إنسان ...
(٦) حديث: "اذكروا الفاسق ... " ذكره العجلوني في كشف الخفا، بلفظ: اذكروا الفاجر ... وقال: رواه ابن أبي الدنيا وابن عدي والطبراني، والخطيب، وقال في التمييز: "أخرجه أبو =