للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثاني - إن الاختيار بمثابة ابتداء النكاح، ودليله أنا نراعي في اختياره الأَمة أن يكون عادماً لطَوْل الحرة، خائفاً على نفسه من العنت، وإنما يراعى هذان الشرطان في ابتداء العقد، وهذا القائل لا يزعم أن الاختيار ابتداء على الحقيقة؛ إذ لا يصير إلى هذا محصّل مع القطع بأن ابتداء النكاح ليس مشروطاً، وأن المرة [ممسَكَةٌ] (١) بنكاح الشرك، ولكنه يقول: الاختيار كابتداء النكاح وحالّ محله، ودليله ما ذكرناه في نكاح الإماء.

فإذا تبين هذا من كلام الأصحاب، فالتحقيق عندنا أن هذا التردد إنما ينشأ من مسألة الأمر (٢)، ومن اشتراط العجز عن الطَّوْل وخوف العنت عند الاجتماع في الإسلام. ولولا هذه المسألة، لما خطر للفقيه أن الاختيار مشبه بالابتداء.

ومن أحاط بما قدمناه، تبين له أن هذا الاختلاف لا حاجة إليه، ولكن الوجه القطعُ بموجب الاستدامة، والمصيرُ إلى أنا لا نرعى في نكاح المشرك الأمةَ العجزَ وخوفَ العنت، كما قررناه، ولكن لا نرفع اعتباره من البين.

ويزدحم على هذا المقام المعنى الذي حمل المُزنيَّ على المصير إلى أن اليسار الطارىء يقطع نكاح الأمة. فكأن الأصحاب وإن لم يرَوْا ذلك مذهباً في النكاح الذي جرى على الصحة مستجمعاً لشرطَي العجز وخوف العنت، لم يُبعدوا اعتبار مذهبه في الجريان في نكاح المشرك الأمةَ إذا اتصل بالإسلام، وانضم إليه تأخير شرط لم نعتبره في النكاح إلى حالة الاختيار، فأي حاجة إلى ترديد القول؟ وإنما شذت هذه المسألة، لا من جهة أن الاختيار ابتداء، أو نازل منزلة الابتداء؛ فلا وجه إلا القطع بأن الممسك مستديم؛ لأنه كذلك حقاً، ثم ينظر الناظر في مسألة الأَمة بطريق النظر فيها. وإذا كان الذي يدّعي التشبيه بالابتداء لا يستمسك إلا بمسألة الأمة -وهي مسلّمة، وعليها كلام لا بأس به على ما يضيق بالمضايق- فالوجه ذِكر هذه المسألة وبيان شذوذها وذكر التفصِّي (٣) عنها.


(١) في النسختين: ممسكته.
(٢) الأمر: أي الأمر بالاختيار.
(٣) تفضى -بالفاء- من الشيء وعنه: تخلّص منه، يقال: تفصَّى من الديون خرج منها (معجم ومصباح).