للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن دخل بهما؛ فهما محرّمتان عليه على الأبد؛ إذ وطْءُ كل واحدة على الشبهة يحرّم الأخرى، وقد بيّنّا أن التقرير على نكاح المحارم محال.

ولو لم يدخل بهما، فقد نقل المزني عن الشافعي أنه قال: قلنا: اختر من شئت منهما، فإن اختار الأم، اندفعت البنت، وإن اختار البنت، اندفعت الأم، فهذا هو الذي نقله المزني من جواب الشافعي في صدر المسألة.

ثم قال: وقال في موضع آخر: يمسك البنت ويفارق الأم، فيتعين للبنت الإمساك وللأم التحريم، واختار المزني هذا القولَ الأخير، واعتلّ بأن النكاح على الأم لا يحرم البنت إذا لم يجر دخول، والنكاح على البنت يحرم الأم، فقد صارت الأم بنكاح البنت محرمة، فتعينت للتحريم، وتعينت البنت للإمساك.

وهذا الذي ذكره المزني على نهاية الوضوح.

واضطرب أصحابنا بعد هذا النقل والاختيار: فذهب الجماهير إلى بناء القولين على أن لنكاح الشرك حكماً أم لا؟ فإن قلنا: له حكم، لم يمسك إلا البنت، لما تقدم من أن العقد على البنت يحرم الأم. وإن قلنا: لا حكم لنكاح الشرك، فيتخير فيهما. هكذا نقل الصيدلاني وغيره ممن يوثق بنقله.

وهذا على هذه الصيغة فاسد؛ فإنه لم يصر محقق [إلى] (١) قوله، فلا تعويل [على] (٢) أن نكاح الشرك لا حكم له، وكيف يستجيز المستجيز هذا مع التقرير عليه، والمصير إلى إيجاب الإمساك، إلا أن يُطلِّق، والكلام في التضعيف والتزييف بعد الانتظام.

ومن قال: يُقَر على نكاح الشرك، ثم قال: لا حكم له، كان كلامه متناقضاً، فلا وجه لتنزيل القولين إلا ما مهدناه في الأصل الأول من أن (٣) الكافر إذا نكح أختين، فنحكم بصحة النكاحين، أو نُعرض: فلا نحكم بصحة ولا فساد قبل الاتصال بالإسلام؟


(١) في النسختين: على.
(٢) في النسختين: إلى.
(٣) سقطت من: (ت ٣).