للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن حكمنا بأن الماء القاصر لا يجب أن يستعمل، فالمحدث أولى بالماء؛ فإن الجنبَ لا ينتفع به.

وإن قلنا: يجب استعمال الماء، وإن قصر عن تمام الطهر، ففي المسألة أوجه: أحدها - أن الجنب أولى؛ لغلظ حكم حدثه.

والثاني - أن المحدث أولى؛ لأنه يستفيد ارتفاع الحدث بتمامه.

والثالث - أنهما سواء، فيقرع بينهما.

ولو كان الماء مقدارَ الغُسل، وكان يفضل عن وضوء المحدِث، فإن قلنا: القدر الناقص عن الطهر لا يجب استعمالُه، ولو استعمل المحدث قدر حاجته، فالفاضل منه لا يستعمله الجنب، فعلى هذا الجنبُ أولى؛ لأن حدثه أشدُّ وأغلظ، ولئن قلنا: الناقص عن تمام الطهر يجب استعماله، فلو سلمنا [الماء] (١) إلى الجنب، كان فيه حرمانُ المحدِث. ولو توضأ المحدِث، وسلم الفاضل إلى الجنب، لكان جمعاً بين الحقين، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أن الجنب أولى؛ لغلظ حكمه، والثاني - أنه يسلّم إلى المحدِث قدر وضوئه، ويسلم الباقي إلى الجنب. والأصح عندي الوجه الأول.

فهذا بيان الحاجات ومراتبها. وقد رتبتها على [التوكيل] (٢) بالبذل للأحوج.

٢٩٦ - ثم قد جرى في طرق الأصحاب تصويرُ هذه المسائل فيه، إذا انتهى المحتاجون إلى ماءٍ مباحٍ، فمن يكون أولى به، وذكروا صور الخلاف والوفاق، على ما ذكرناه.

وهذا عندي غلط ظاهر، فإن الماء إذا كان مباحاً، وازدحم عليه أقوامٌ، فيجب أن يستووا في تملك ذلك الماء، ولا يتوقف جريان الملك على الحاجة، بل يجب القطع باستوائهم، ويقسم الماء بينهم بالسوية، من غير نظر إلى أحداثهم، وأحوالهم، ولا خفاء بما ذكرناه، من التنبيه على هذا الزلل.

٢٩٧ - ولو كان للرجل ماءٌ، فهو أولى بمائه من كل مُحدِث، وليس له أن يؤثر


(١) زيادة لإيضاح المعنى.
(٢) في الأصل: الوكيل.