للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال الشافعي: "إذا امتنع من التعيين، حبسته ليُعيّن، فإن امتنع مع الحبس يُعزر ويضرب حتى يختار" (١). هذا كلام الشافعي. وفي هذا أدنى تأمل على الناظر. والحبس في وجوه (٢) من ثبت عليه دين نوعٌ من العقوبة، ونحن لا نحبس في الدَّين إلا بعد ثبوته، ولا تعويل على قول القائل: لسنا نقطع بصدق الشهود؛ فإنَّ البينة إذا قامت، أرقنا الدماء بها، وهجمنا على العظائم، ثم حكمنا بالظاهر، ووكلنا الأسرار إلى الرب تعالى، وليس الحبس بأعظم من القتل والرجم، ولكن إنما اختار ولاة المسلمين وقضاةُ الدِّين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبسَ لسرٍّ، وهو أنه عقوبة دائمة إلى الوفاء بالحق، ولا يتصور إدامةُ عقوبةٍ غيره.

وفيه مع ما ذكرناه لطيفة أخرى، وهو الاستيثاق بمن عليه الحق؛ فاجتمع في الحبس هذان المطلبان.

ثم ذكر الشافعي أن الرجل إذا امتنع من الاختيار، فرأى القاضي أن يعزره، عزّره، وهذا مضموم إلى الحبس، فلا اكتفاء بالتعزير، وإنما رأى الشافعي [ذلك] (٣)؛ لأنه ما [لم] (٤) يتطرق إلى الذي وجب عليه الاختيار إمكانُ عذر؛ فإن (٥) الأمر إلا إليه، فتركه للاختيار نكاح (٦).

فقال الأئمة: لو فرض مثل هذا في الحقوق المتوجهة، ورأى القاضي التعزير [ضمّاً] (٧) إلى الحبس، فله ذلك، وإنما يتصور هذا إذا أقر بالحق واعترف بقدرته


(١) السابق نفسه.
(٢) كذا. ولعلها: "حق".
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) زيادة من المحقق.
(٥) (إن) نافية.
(٦) كذا (تماماًَ بكل وضوح في الرسم) ولا أدري لها وجهاً. ولعل في الكلام سقطاً أو تصحيفاً.
هذا، ولم يفد في ذلك الإشكال، عبارة العز بن عبد السلام في مختصره، ولا الرافعي، ولا النووي، ولا الغزالي في وسيطه وبسيطه. والله المستعان. ولعل صوابها: "نكال" أي تنكيل بهؤلاء النسوة.
(٧) في الأصل: ضمناً.