للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا أثبتنا الخِيَرة للمرأة، فيمتنع ارتدادُ شطر الصداق ما دامت المرأة مستمرة على خِيَرَتها، وبمثل هذا المعنى يعسر من الزوج مطالبتها بنصف القيمة؛ فإن التخير من جانبها يوجب تفويض الأمر إلى رأيها، ورأيُها ليس على الفور، فكيف السبيل، وما الوجه؟ وبأي طريق ينفصل الفقه في هذه المسألة؟ فنقول:

إن أعرضا جميعاً عن الطلب والرد؛ فالأمر موقوف في حق الزوج، متردد بين القيمة وبين العين وإن وجّه الزوج الطَّلِبة، فحق عليها أن ترد نصف العين مع الزيادة أو تغرَمَ نصفَ القيمة، وليس لها التسويف والمدافعة، فإن دافعت رُفعت إلى القاضي، ثم لا يَجزم الزوج دعواه في القيمة ولا في العين؛ فإن إثبات الخِيَرةِ لها يمنع الجزم في كل واحد من الوجهين، والقاضي لا يقتضي منها على أن يحبسها لتبذل القيمة أو العين إذا كانت العين عتيدة (١)؛ فإنّ تعلُّق الزوج بالعين يزيد على تعلّق المرتهن بالرهن، وتعلق الغرماء بالتركة التي أحاطت الديون بها، فنقول لها: إن كان شطر القيمة أقلَّ من نصف العين، فيُصرف إلى الزوج نصف القيمة، ويُدفع الفاضل إليها، وإن كانت العين لا تزيد على القيمة؛ ففي هذا احتمال، يجوز أن يقال: لا يسلّم القاضي نصف العين إلى الزوج، بل يبيعُه رجاءَ أن يجد زَبوناً فيشتريه بما يساوي، ويتجه في هذا أن يقال: يسلم العين إليه إذا لم يكن فضل في القيمة؛ لأن حق الزوج متأكد في مالية العين، فالطلاق على المذهب الظاهر يملّكه شطر الصداق من غير اختيار.

هذا منتهى القول فيه.

٨٤٠٨ - ومن بدائع الأشياء اضطراب الأصحاب في معنى قول الشافعي: " وذلك كله ما لم يقض له القاضي "، وكلامه متصل بذكر زيادة الصداق، ويتعين عندي حملُ كلام الشافعي في أن القضاء على امتناعها عن [التسليم] (٢) قد يقضي القاضي بتسليم العين في الصورة التي ذكرناها، وظاهر كلام الشافعي دليل على أنه لا يسلم العين إلى


(١) عتيدة: أي حاضرة.
(٢) في الأصل: التحريم.