وقد ذكرنا خلافاًً في أن من صَبَّ ماء وضوئه بعد دخول وقت الصلاة من غير غرضٍ، وتيمم وصلى، فهل يلزمه قضاء الصلاة؟ والذي ذكرناه الآن في صب الماءين ليس كذلك؛ فإنه ثمَّ صبّ ماءً طاهراً هَزْلاً من غير غرض، وهاهنا عذرٌ في صب ماء لا يقدر على استعماله؛ فلا يلزمه قضاء الصلوات.
ولو صبّ أحدَ الماءين في الآخر حتى يصيرَ مستيقن النجاسة، يسقط القضاء أيضاًً.
ولو صبّ الماءَ الثاني، وأبقى الفضلة، وكان يتيمم ويصلي؛ فلا قضاء عليه، لأنه ليس معه ماء مستيقن الطهارة، ولا يغلب على الظن طهارته. وإن صب تلك الفضلة، وبقي الماء الثاني، فهل يقضي الصلوات التي يصليها بتيمّم؟ فعلى وجهين: ذكرهما العراقيون؛ فإنه ماء مظنون الطهارة، وقد سبق ذلك في الصورة الأولى.
٣٨٨ - فهذا إذا كان ما أفضله مقدارَ وضوء، فأما إذا كان أقل منه، فيزيد هاهنا التفريع على أن الماء القاصر عن مقدار الطهارة هل يجب استعماله؟ فإن قلنا: يجب، فتفصيل قضاء الصلاة كما مضى فيه، إذا كانت الفضلة مقدار وضوء.
وإن قلنا: لا يجب استعمال ما ينقص عن مقدار الطهارة، فوجود تلك الفضلة
وعدمها بمثابةٍ واحدةٍ. وهو كما لو صب الفضلة الباقية في الصورة الأولى، وبقي الماء
الثاني الذي مال الاجتهاد إليه. وقد مضى ذلك مفصَّلاً.
فرع:
٣٨٩ - ذكر ابن الحداد حكم الإمامة في التباس أمر الحدث في غير الأواني، ثم ذكر حكم الأواني، فنذكر ما ذكره أولاً مقدّمةً، ثم نبني عليها الأواني.
إذا جلس اثنان فسُمع منهما صوتُ حدث، وكل واحد منهما ينكر صدروه منه، فإذا انفرد كل واحدٍ وصلى وحده، حكم بصحة صلاة كل واحد منهما. ولو اقتدى أحدهما بالثاني، فأما الإمام، فتصح صلاته؛ فإنه لا تعلق لصلاته بصلاة المقتدي به، وحكمه حكم المنفرد، وأما المقتدي فلا تصح صلاته؛ فإن الحدث إن كان منه، فصلاته باطلة، وإن كان من إمامه، فقد اقتدى بمحدث.
ثم كان شيخي يذكر هاهنا اقتداءَ الشافعي بالحنفي، وفيه غموض. ونحن نذكره