للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩١٥٦ - وذكر الشيخ أبو علي في شرح الفروع ما ذكرناهُ، وحكى وجهاً غريباً أن النصف في الاستثناء بمثابة الطلقة، ونجعل البعض عبارةً عن الكل في الإيقاع والإسقاط، وهذا غريب، لم أرَهُ إلاّ لهُ.

ووجهه -على بعده- أنا نحكم بوقوع الطلقة إذا جرى ذكر بعضها، لا على مذهب السريان، كما تقدّم شرح ذلك، بل لا يتجه فيه إلا إقامة العبارة عن الجزء مقام العبارة عن الواحدة، ولعلّ السر فيه أن ما لا ينقسم فبعضه ككلّه.

وهذا غير صحيح؛ فإن الطلاق يُغَلَّب في وقوعه، والاستثناءُ مناقَضةُ الوقوع، وإذا استثنى من يبغي النفي بنصف طلقة، فقد ألغى نصف طلقةٍ والذي أبقاه يُكمَّل.

ولو كنا نجري على أن الجزء عبارة عن الكل فيما لا ينقسم، للزم أن نقول: ما قاله بعض أصحاب أبي حنيفة (١) في أن الرجل إذا قال: زوَّجْتك نصف ابنتي، كان بمثابة ما لو قال: زوجتك ابنتي، لم يختلف أصحابنا في أن النكاح لا يصح بذكر الجزء من المنكوحة.

فالتفريع إذاً على أن استثناء الجزء باطل، فإذا قال: أنت طالق ثلاثاًً إلا طلقةً ونصفاً، بطل استثناء النصف، وصح استثناء الواحدة، ووقعت طلقتان.

ولو قال: أنت طالق ثلاثاًً إلا اثنتين ونصفاً، فإن جعلنا النّصف عبارة عن طلقةٍ في الوجه الغريب الذي حكاه الشيخ أبو علي، فالتقدير: أنت طالق ثلاثاًً إلا اثنتين وواحدة، ثم يقع هذا في أنا هل نجمع المفرّق؟ فيه التفصيل المقدّم.

وإن قلنا: إنَّ ذكر الجزء في الاستثناء باطل، فهذا فيه احتمال على هذا المقام: ظاهر القياس أن النصف يبطل، ويبقى استثناء ثنتين، فكأنه قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين، [ولا يتجه فيه إعمال الاستثناء؛ لأن في إعماله إبطاله] (٢)، إذ لو عمل النصف، لصار الاستثناء مستغرفاً مع التفريع على أن المفرّق كالمجموع، ونحن نغلب وقوع الطلاق في هذه المنازل.


(١) ر. المبسوط: ٦/ ٩٠.
(٢) عبارة الأصل: "ويتجه فيه إعمال الاستثناء في إعماله إبطاله" والتصويب من صفوة المذهب ج ٥ ورقة ١١ شمال.