للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنقول: إذا قال الرجل لامرأتيه: إحداكما طالق، ولم يشعر بهذا القول أحد، ونوى إحداهما، وكانت متعينة، فإذا لم ترفع الواقعة إلى القاضي، فالمطلقة في حكم الله هي المنويّة، ولا يجب حبسٌ ووقفٌ، وهو يقدم على استحلال المستحَلَّة عنده وعند الله تعالى.

وإنما مسألة الوقف فيها إذا ظهرت هذه الواقعة لمن إليه الحكم، فيقول: قد طلقتَ يا رجلُ وأبهمتَ، فحق عليّ ألا أتركك تختلط بهما كما كنت تفعل من قبل، ولست أجعل إقدامك على غشيان إحداهما بياناً، ولو رأيتك تغشاها، لم أتبيّن أنها المنكوحة؛ فإن الوطء لا يُعيِّن إذا كنت نويت المطلَّقة لمَّا أطلقت اللفظ، فقد تطوقتُ عهدةً في الشرع؛ إذ علمتُ وقوعَ الطلاق، وأشكل علي الأمر، ففصِّل، ثم أَقْدِم، فإذا قال: أيّها القاضي عنيتُ بالطلاق هذه، فالقاضي يرجع إلى قوله، ويزول الاستبهام، وبيانُه وإن استأخر بمثابة اقتران البيان بلفظه.

فإن سكتت الموطوءة، أضرب القاضي [عنه] (١) وقد تعينت المطلَّقة، وإن خاصمت تلك، قال القاضي: انكفّ عنها، حتى تنفصل الخصومة بينكما، كما سنبيّن فصل الخصومة.

فهذا سرّ القول في الحبس الذي ذكره الأصحاب.

وقد يخطر للفطن أن المرأة إذا لم تخاصم، وقال القاضي: أبهمتَ الطلاق، فاحلف بالله أنك عنيت بالطلاق من أبهمتها، فلست أرى للقاضي هذا؛ فإن الرجوع إلى الزوج في هذا، وإنما يثبت التحليف لذاتِ حظٍّ، وهي المرأة، ونحن إذا قلنا: يحلَّف من يؤدي الزكاة، فرأينا المقطوع فيه أنه استحبابٌ، ثم ذاك محض حق الله، والغالب في الطلاق والنكاح طلب الحظوظ.

٩٢١١ - ومما أطلقه الأصحاب في ذلك -ولا بدّ فيه من مزيد كشفٍ- أنهم قالوا: إذا حبسناه عنهما [أو خلّينا] (٢) بينه وبينهما، فيجب عليه أن ينفق عليهما، ويُدرَّ


(١) زيادة لإيضاح الكلام، وفي صفوة المذهب: "كف القاضي عنه".
(٢) في الأصل: وخلنا.