للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو من قبيل القرائن، والعملُ بالقرائن -وإن كانت دالَّةً في مجاري التخاطب- بعيدٌ عن مذهب الشافعي، فإنه لا يعوّل على القرائن في إلحاق الكنايات بالصرائح، وهذا الذي ذكرته تنبيهٌ على الإشكال، وإلا فالحق المبتوت الذي لا يجوز غيره ما ذكرناه من التعلق بدلالة الوقف، ونعتبر النغمةَ.

والقرائنُ التي ينكرها الشافعي هي مثل سؤال المرأة الطلاق، مع قول الرجل: أنت بائن في جوابها، وممّا أنكره الغضب، فإن أبا حنيفة (١) جعل الغضب قرينةً على الطلاق عند التلفظ بالكناية، والشافعي أبَى هذا؛ فإن السّؤالَ حالُ المرأة، والرجلُ قد يُسعِف وقد يخالف، والغضبان قد لا يطلق.

فالذي أنكره الشافعي هذه الضروب، فأما أصل القرينة، فلا ينكره ذو فَهمٍ، والدليل عليه أن الرّجل لو قال حاكياً: "أنت طالق" في درج كلام، وكانت زوجته حاضرةً، لم نقض بوقوع الطلاق، وإن جرّد قصدَه في مخاطبتها، وقع الطلاق، إذا لفظ الزوج بالصريح، وصيغة الحكاية كصيغة الخطاب لا تتميز إحداهما عن الأخرى إلا بتحديقٍ أو نغمة مخصوصة، أو وقفةٍ تقطع المخاطبة بالطلاق عن [انثيال] (٢) الكلام، ولو لم يقل القائل بهذه الضروب، لما انتظم كلام، [ولالتبس] (٣) ما يخاطِب به بما يحكيه.

وهذه الضروب من القرائن تورث العلومَ الضرورية، وعليها تُبْتَنى صيغ الألفاظ في الأخبار، والإقرار، والإنشاء، والأمر، والنهي، فوضح أن الذي أنكره الشافعي ما لا يُثبت العلمَ ويَبْقَى معه التردّدُ واللفظ كنايةٌ في نفسه، فأما ما يفيد العلم، فقرائن الأحوال مع الألفاظ كقيود المقال.

٩٢١٩ - وكل ما ذكرناه فيه إذا أبهم طلقةً -ونوى واحدةً بعينها، فأما إذا أوقع طلقة بين امرأتين أو نسوةٍ ولم يعين واحدةً منهنَّ بقلبه، فيطالب بتعيين واحدة، كما يطالب


(١) ر. الهداية مع فتح القدير: ٣/ ٤٠١.
(٢) في الأصل: "أثناء" والمثبت تقدير من المحفق.
(٣) في الأصل: "ولا لنفسٍ" وهو تصحيفٌ ألهمنا الله صوابه.