للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٩٦٣٩ - وأما إذا لم يكن موجباً للحدّ، ولكن كان يقتضي تعزيراً، فالذي نقدمه أنه إذا كان في الواقعة نسبٌ، وهو يبغي نفيَه، فيلاعن كيف فرض الأمر، سواءٌ طلبت أو لم تطلب، عَفَتْ أو لم تَعفُ، سواءٌ كان التعزير تعزيرَ التكذيب أو تعزيرَ التأديب، على ما سنبين انقسامَ التعزير؛ وذلك أن أعظم المقاصد نفيُ النسب، كما ذكرناه، وهو ثابت، فلا مبالاة مع تعرض النسب لغيره.

وإن لم يكن في الواقعة نسبٌ والقذفُ موجِبُ التعزير، فلا يخلو التعزير إما أن يكون تعزيرَ التكذيب، وإما أن يكون تعزيرَ التأديب، وتعزيرُ التكذيب هو الذي يستوجبه الرامي، وهو مكذَّب في رميه في ظاهر الشريعة، والتعزيرُ يقام لتحقيق تكذيبه، وهو نحو أن يقذف الرجل أمةً أو كتابيةً، فلا حد، ولكنه يلتزم التعزيرَ تكذيباً له.

والنوع الآخر تعزيرُ التأديب، هو أن يقذف امرأةً بزنا قد ثبت عليها من قبلُ: إما ببينةٍ أو إقرار، وقد أقيم عليها حدُّ الزنا، فالرامي يستوجب التعزيرَ؛ من جهة تعرضه لها بالإيذاء، وليس المقصد من هذا التعزير إظهار تكذيب الرامي؛ فإنه مصدَّقٌ، وإنما الغرض منعُه عن معاودة مثل ذلك على طريق التأديب.

فأما تعزيرُ التكذيب فنصوّر فيه ثلاثَ مسائل: إحداها - أن يكون القذف متضمناً تعزيراً والطَّلِبةُ متوجهةٌ به، وذلك مثل أن يقذف الزوج زوجتَه الأمةَ أو الذميّةَ، وطلبت التعزير، فالمذهب الذي قطع به الأئمة المعتَبَرون أن للزوج أن يلاعنَ، ويرفعَ عن نفسه التعزيرَ؛ فإنه عقوبة تتعلق بالطلب كالحد، فإذا طلبته، كان له رفعُه باللعان، وفي بعض التصانيف ذكر خلاف في هذا؛ من حيث إن الواقعة عريةٌ عن نسبٍ متعرض للثبوت، وعن عقوبةٍ لها وقعٌ، وهي الحد. وهذا مما لا يجوز الاعتدادُ به، والوجه بناء المذهب (١) على القطع بجريان اللعان إذا فرض طلبُ (٢) التعزير الذي يُثبت تكذيباً من المرأة.


(١) (ت ٢): بناء الأمر.
(٢) (ت ٢): إذا فرض الطلب والتعزير الذي يثبت تكذيباً.