للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوجهُ قول الشافعي إذاً على هذا، أن المتحيرة لو تعطّلت عن وظائف العبادات عمرَها، لكان بعيداً، ولو تحكّمنا بإثبات أدوراها على الأهلة من غير أصلٍ، لكان بعيداً، فاحتطنا حتى نقيمَ أوراد الشريعة، ولا تتعطل. فأما أن نحكّم في أمرها كلَّ ممكن، فهذا ينتهي إلى حد التعذيب، والشريعة تحط أموراً بدون هذا من الضرر.

وقد قال الشافعي في الصوم: إنها تصوم شهر رمضان، ثم تقضي خمسة عشر يوماًً. ولا يتأتى ذلك إلا بأن تصوم شهراً آخر. وسيأتي شرح هذا في موضعه، إن شاء الله تعالى.

وتعرّضه للقضاء في الصوم مع السكوت عنه في الصلاة يدل على أنه حاول الفرق بينهما؛ لأن قضاء الصوم يطَّرد غالباً على الحُيَّض، ولا يجب قضاء الصلوات التي تمر مواقيتها في زمن الحيض.

والدليل على أنا لا نراعي كلّ ممكن أن المتحيرة إذا طلقها زوجها، فإنها تعتد ثلاثة أشهر، كما سيأتي ذلك في الباب الخامس، ومن الممكن أن يقال: هي من اللواتي تباعدت حيضتها حتى تصير إلى سن اليأس، ثم تعتد بثلاثة أشهر، فدلّ على أنه لا يعتبر كلَّ ممكن، إذا عظمت المشقة وظهر الضرر.

والوجه: ما قاله أبو زيد؛ فإن مساق الاحتمالات تقتضي القضاء، وليس في إعادتها الصلوات كبيرُ [ضرر] (١).

٥٢٨ - ثم أطلق الأصحاب حكاية مذهب أبي زيد في إيجاب القضاء في الصلوات، ولم يستقصوا القولَ فيه، وأنا أقول مستعيناً بالله:

[إنما أوجب] (٢) القضاءَ لاحتمال انقطاع الحيض في آخر وقت كل صلاة، ورب انقطاعٍ يوجب تدارك صلاتين؛ فإن الحائض إذا انقطع حيضُها قبل غروب الشمس بمقدار يسع خمس ركعاتٍ، يلزمها قضاء الظهر والعصر جميعاًً. وكذلك المغرب والعشاء، لو فُرض الانقطاع آخر الليل. فهذا ما اعتمده أبو زيد في إيجاب القضاء، وهو واضح.


(١) في الأصل: أمر.
(٢) في الأصل: إذا أوجب.