للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما نذكره التردُّدُ في سن اليأس، وقد ذكر المعتبرون من أئمة المذهب قولين: أحدهما - أنا نردها إلى أقصى سنٍّ في اليأس لامرأة في دهرها، فإنا إذا احتجنا إلى اعتبارها بغيرها، فليس بعض النساء أولى من بعض، وعلى هذا يستقيم طلب النهاية.

والقول الثاني - أنها تعتبر بأقصى سنٍّ في قرابتها وعشيرتها، ولا يُخصَّص بذلك جانبُ الأب عن جانب الأم، بل نعتبرهما، وليس هذا كمهر المثل؛ فإنا نعتبر فيه النساء من جانب قرابة الأب؛ إذ الركن الأولى بالاعتبار في مهر المثل النسب، وجانب الأب يختص بالنسب، وإنما تأكد أمر النسب لمكان الكفاءة، وعمادها الأظهر النسب.

وذكر بعض المصنفين وجهين آخرين سوى ما ذكرناه: أحدهما - أنا نعتبر أقصى امرأة في بلدتها.

والثاني - أنا نعتبر أقصى سن اليأس في نساء عصبتها، كمهر المثل، وهذان الوجهان ضعيفان، أما اعتبار البلدة، فلعله مأخوذ من تأثير الهواء والبقاع والأصقاع في الخِلَق الكلّيّة، كما أنها تؤثر في قِصَر الأعمار وطولها، وفي الألوان وغيرها، ثم لعلّ المرعيَّ فيه الصُّقع والناحية ولا يختص بالبلد، ويُقرِّب [اعتبارَه] (١) ظهورُ اختلاف الأهوية والعلم عند الله فيه، فلا نُمعِنُ الفكر فيما لا أصل له.

وأما اعتبار نساء العصبات فلا أصل له.

وقد يُعترض على قولنا باعتبار أقصى نساء العالم إشكالٌ؛ من جهة أن ذلك لا يمكن ضبطه، مع اتساع رُقعة الدنيا، والممكنُ في الجواب عن ذلك [أنا لا يمكن أن نكلّف طَوْف العالم والفحص عن سكانه، وإنما المراد ما يبلغ خبرُه ويعرَف] (٢)


(١) في الأصل: اعتبار. والتصرف من المحقق.
(٢) ما بين المعقفين، هو كلام إمام الحرمين كما نقله عنه الرافعي والنووي (ر. الشرح الكبير: ٩/ ٤٤١، والروضة: ٨/ ٣٧٢).
وأما عبارة الأصل، فقد كانت هكذا: " أن ما لم نكف في الصرود والجزوم أمكن القضاء به ". وهو -طبعاً- غير مستقيم، ولعل التصوير أو عوامل البلى ذهبت ببعض أطراف الحروف ونقطها، مع احتمالٍ كبير في السقط والتصحيف والتحريف؛ فإن ما نقله الرافعي والنووي لا شبه له بما هو في نسخة الأصل. والله أعلم بما كان.