اشتغالها بالرضاع إن كان يتعذّر استمتاع الزوج، فنفقتها تُدَرُّ عليها، وسيأتي تقرير هذا الأصل في كتاب الرضاع، إن شاء الله.
ولو أذن الزوج الأول للزّوجة في الإرضاع الذي يتعذر بمثله الاستمتاع، فإن لم يكن الإرضاع واجباً عليها، وكنا نجد مرضعةً سواها، فإذنُ الزوج الأول في الإرضاع بمثابة ما لو أذن لها في أن تسافر في شُغل نفسها، وقد اختلف القول في أنها لو سافرت بإذن زوجها في شُغل نفسها، فهل تسقط نفقتها؟
وإن كان إرضاعُها حتماً، وكان في ترك الإرضاع ما يؤدِّي إلى ضَياع المولود، فإذا أذن الزوج، فهذا فيه تردُّدٌ عندنا: يجوز أن يقال: لا حكم لإذنه؛ فإن الإرضاع مستحَقٌ، وإذا أسقطنا أثر إذنه، ففائدتُه سقوط النفقة قطعاًً؛ فإن الإرضاع وإن كان واجباً، فهي التي تسببت إلى ذلك، وجرّت إلى نفسها الإرضاع.
ويجوز أن يقال: إذا أذن لها في الإرضاع -وإن كان واجباً- فالمسألة تُخرّج على القولين المذكورين فيه إذا سافرت بإذن زوجها في شغل نفسها.
ولو أذن السيد لعبده في الإحرام بالحج، لم يمكن تحليله، وأبو حنيفة يقول: له أن يحلله؛ فإن إذنه في الإحرام لغوٌ، مع تصور الإحرام منه، وتلك المسألة تنفصل عما نحن فيه؛ فإن الشافعيَّ حمل الإذن في الإحرام على استدامته، وليس يتحقق مثلُ هذا فيما نحن فيه، فإن ابتداء الإرضاع وإدامتَه جميعاً واجبان في الصورة التي ذكرناها.
وقد يتصل بالتفريع على القول الجديد ما أشار إليه المزني، وهو أن الزوج في الغيبة لو مات، وتبين فساد النكاح الثاني، فيجتمع عليها عدة الوفاة، وعدة الوطء بالشبهة.
وقد تمهد القول في أن العدتين لا تتداخلان، وذكرنا الفرق بين أن يتقدم موجَب العدة من جهة الزوج وبين أن يتأخر، ولا حاجة بنا إلى إعادة تلك الفصول.