فلا يتصور إذاً من هذه الجهة اجتماع سببين من شخصين مقتضيين للاستبراء، بل السبب المتأخر ينسخ المتقدمَ، ويقطعه ويستأصلُ موجَبه، فإذاً لا يتأتى فرضُ اجتماع السببين من شخصين إلا في صورةٍ واحدة، وهي أن يكون لرجلين جارية مشتركة، فلو وطئاها، فلا شك في تحريم الوطء، فلو أرادا تزويجها وقد وُجد من كل واحد منهما ما يشغل الرحم، ولو كانت مستخلصة لواحد، ورام تزويجها بعد الوطء، لم يجد إلى ذلك سبيلاً ما لم يستبرئها، فإذا تعدد الشاغل، فهل يقع الاكتفاء بحيضة، حتى إذا مضت يسوغ تزويجُها، أم لا بد من الاستبراء بحيضتين: حيضة عن هذا وحيضة عن الآخر؟ فعلى وجهين: من أصحابنا من قال: لا بد من استبراءين لتعدد السبب والشخص، قياساً على العدتين إذا وَجَبَتَا عن شخصين.
ومن أصحابنا من اكتفى بحيضة واحدة؛ فإن الغرض من هذا النوع من الاستبراء قيام علامة براءة الرحم، وهذا المعنى يحصل بالحيضة الواحدة.
وقرَّب أئمة المذهب هذا الاختلافَ من تردد الأصحاب في أصل الاستبراء وما هو المعتبر منه، فمن زعم أن الاستبراء بالطهر، كان ذلك منه تغليباً لمعنى التعبد، وذلك يقتضي التعددَ إذا تعدد الشخص والسببُ، ومن صار إلى أن المعتبر في الاستبراء الحيضُ دون الطهر، لم يبعُد عنده الاقتصار على الحيضة الواحدةِ؛ فإن سبيل دلالة الحيضةِ الواحدةِ إذا جرت على ترتب الأدوار كسبيل دلالة حيضتين فصاعداً.
هذا قولنا في تداخل الاستبراءين وامتناعِ تداخلهما.
٩٩٧٢ - وأما القول في تداخل الاستبراء والعدة، فإذا اشترى الرجل جاريةً معتدة، فانقضت العدة، فقد ذكرنا جوابي الأم والإملاء، في أنه هل يجب بعد العدة استبراءٌ على المستبيح بالملك.
وقد يخطِر للفطن أن هذا يتنشأ من اندراج الاستبراء تحت العدة نفياً وإثباتاً، حتى إن حكمنا بالاندراج، لم نوجب استبراءً مقصوداً بعد مدة العدة، وإن لم نحكم بالاندراج، أوجبنا الاستبراء بعد العدة.
وهذا ليس على وجهه؛ فإن الأئمة طردوا القولين في المشتراة المعتدة سواء بقي