للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أنا لو رُددنا إلى القياس، لم نتوسع فيه في أصول الرضاع، فإن اقتضاء الرضاع الحرمةَ والمحرميةَ ليس مما [يستدّ] (١) فيه قياسٌ معنوي أو شبهي، فلا وجه إلا القطعَ بأن الكتاب تضمّن تبيينَ أصولٍ من الرضاع، ولم يجر تخصيصه إياها على صيغةٍ تتضمن نفيَ ما عداها، فمضمون الكتاب استفتاحُ الكلام في الرضاع، واستتمامه متلقّىً من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ قال عليه السلام: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وهذا من جوامع الكلم؛ فإنه شامل لقواعد حرمة الرضاع، لا يغادر منها شيئاًً ولا يتطرق إليه تأويل، ولا مثنوية، ولا حاجة فيه إلى تتمةٍ بتصرف قائس.

٩٩٩١ - ثم لما نظر الشافعي إلى مضمون الكتاب والنصِّ الشامل الكامل المنقول عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، رأى أن يعقب هذا الترتيبَ بالتصريح بإثبات الحرمةِ في جانب الفحلِ؛ فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " مستقل بإفادة التحريم في جميع القواعد.

والذي يكاد يُردّ عنه نظرُ الناظر الحرمةُ في جانب الفحل وانتشارُها؛ من جهة أن اللبن ينفصل عن الأم، فذكر الشافعي على الاتصال بتمهيد القواعد لبنَ الفحل، توطئةً لأصل الكتاب، ثم عقد في لبن الفحل باباً من بعدُ، والحرمة تثبت في جانب الفحل، وتنتشر على مذاهب جماهير العلماء.

والشاهد لذلك حديث خاصّ ناصٌّ يعضد موجَبَ العموم من قوله عليه السلام:

" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وهو ما روي أن أفلح بن أبي القُعَيْس، وفي بعض الروايات أفلح أخا أبي القُعَيْس استأذن على عائشةَ، فاحتجبت منه فقال: تَحَجَّبين مني؟ أنا عمك، فقالت: وكيف ذلك؟ قال: أرضعتك زوجة أخي بلبان أخي، فقالت عائشة: إنما أرضعتني المرأة لا الرجل، ثم راجعت عائشة رسول الله فقال عليه السلام: " إنه عمك تربت يمينك، فليلج عليك " (٢).


(١) في الأصل: يستمر. والمثبت تصرّف من المحقق على ضوء المعهود من ألفاظ إمام الحرمين.
(٢) حديث ابن أبي القعيس متفق عليه (البخاري: النكاح، باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع، ح ٥٢٣٩. مسلم: الرضاع، باب تحريم الرضاع من ماء الفحل، ح ١٤٤٥).