للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمدة الرضاع، [وتبين لنا أن إرضاع الكبير] (١) لا يؤثر، ولا يحرّم.

وقد روي أن سهلة بنت سهيل، قالت: كنا نرى سالماً ولداً؛ وكان يدخل علينا وإنا فُضُلٌ فراجعت رسول الله في أمره، فقال عليه السلام " أرضعيه خمسَ رضعات " (٢) ففعلتْ، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال، وكانت ترى إرضاعَ الكبير مثبتاً للحرمة في حق الناس كافة؛ تعلقاً بحديث سهلةَ وسالمٍ، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدٌ من الناس، وقلن: ما نرى الذي أمر به رسول الله إلا رخصةً في سالم وحده.

وروى الشافعي أن أم سلمة قالت في الحديت: هو لسالم خاصة، وفي هذا الأصل تصرّفٌ للشافعي رمز إليه المزني، ولم يستقصه؛ وذلك أن خطاب الرسول عليه السلام إذا اختص بمختصٍّ في حكاية حال، فحكم الصيغة اختصاصُ الحكم بالمخاطب، وإذا قضينا بأن الناس في الشرع شَرَعٌ، حكمنا بأن حُكْمه على معيّن حكمٌ على الناس كافة، فهذا متلقى من دأب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإجماع، ومستند اعتقادهم في هذا ما كانوا يشاهدون من قرائن الأحوال في قصد رسول الله التعميمَ.

فإذا اضطرب رأيهم في قصد التخصيص، واللفظُ في نفسه مُختص بالمخاطب، لم يجز تعميمُ الحكم؛ سيّما إذا اعتضد خلافُه بما يستقل دليلاً، وقد قال عز من قائل: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ} [البقرة: ٢٣٣]، فأثبت تمامَ الرضاعة في الحولين، فاقتضى مفهومُ الخطاب أن ما بعدهما ليس في حكم الرضاعة؛ إذ ليس بعد التمام أمر معتبرٌ منتظر، ولا يمكن حمل هذا على اعتياد الناس؛ فإنهم على أنحاء مختلفة.

ورأيت في بعض المجموعات حديثاً رواه صاحب الكتاب بإسناده عن سفيان بن


(١) في الأصل: وتبين لها أن الرضاع الكبير.
(٢) حديث سهلة بنت سهيل: "كنا نرى سالماً ولداً .. " الحديث. رواه الشيخان (البخاري: النكاح، باب الاكفاء في الدين، ح ٥٠٨٨. مسلم: الرضاع، باب رضاعة الكبير، ح ١٤٥٣).