للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما قطع به الأصحاب أنها تغرَم تمامَ مهر المثل قولاً واحداً؛ لأنها فوتت النكاح بعد استقراره، وتأكده بالمسيس.

قال صاحب التقريب: حكى المزني في غير المختصر عن الشافعي أنه قال: لا يجب على المرضعة المفسدةِ للنكاح بعد المسيس شيء؛ لأن الزوج قد استوفى بالمسيس حقه، والوطأةُ الواحدة بمثابة وطْآت العمر، ولذلك تُقرِّر الصداقَ عليه، وبطل حق المرأة في حق حبسها نفسها، ولو ارتدت بعد المسيس، وانفسخ النكاح لإصرارها إلى انقضاء العدة، لم يسقط المسمى (١)، حكى المزني ذلك عن الشافعي، وقطع الشافعي فيما نَقَل جوابَه بهذا، وهو مذهب أبي حنيفة.

ثم خرّج المزني قولاً أن المرضعة تلتزم مهر المثل، قال صاحب التقريب: كنت أقطع بهذا القول الذي خرجه، ولا أعرف غيره، حتى اطلعتُ على ما نقله المزني.

فانتظم في الغرم إذاً قولان بعد المسيس: أحدهما - أنه لا يجب شيء وهو مذهب أبي حنيفة، والقول الثاني - أنه يجب المهر بكماله وهو القول المشهور المنصورُ في الخلاف.

وإذا طردنا قولين في المرضعة، لزم إجراؤهما في الشهود على الطلاق بعد المسيس، إذا رجعوا عن شهادتهم.

وقد نجز القول الكلي فيما يتعلق بالغرم المتوجه على المرضعة.

١٠٠٢٦ - ونحن ننعطف على المسألة ونستفتح فيها حكماً آخر فنقول: إذا كان الإرضاع مثبتاً للغرم على التفصيل المقدم، فلا حكم لارتضاع الصبيّة، وإن كان لها فعلٌ واختيار، ولكنه في حكم المغلوب بالإضافة إلى الإرضاع.

هذا ما وجدته متفقاً عليه بين الأصحاب.

والممكن في تقديره أن ارتضاعَ الصبيةِ طِباعٌ، واختيارُ المُرضعة أغلبُ، وهذا يضاهي فتح القفص مع اتصال الطيران بالفتح؛ من جهة أن ابتغاء الطائر الإفلات طِباعٌ


(١) الأَولى في التمثيل بالمرتدة أنها لا تغرَم المهرَ للزوج بانفساخ النكاح بردّتها بعد المسيس.
فبهذا استشهد النووي. (ر. الروضة: ٩/ ٢٢).