والوجه الآخر - أن صاحبة اللبن لا تغرَم شيئاًً لزوج الصغيرة، وللصغيرة نصف الصداق المسمى، وهذا في التحقيق إسقاط أثر الإرضاع والارتضاع جميعاًً، وهذا أوْجَه قليلاً مما حكاه عن الدارَكي. أما سقوط الغُرم عن صاحبة اللبن، فبيّنٌ متجه.
وأما عدم سقوط جميع المسمى، فمعلل بحمل الارتضاع على الطباع حيث وجد، فيسقط أثره، وقد يعتضد هذا في الحسّ بأن الصبي ينفصل عن الأم، فيأخذ في الارتضاع، ولا يجوز أن يفرض له اختيار في هذه الحالة، وعليه حمل بعضُ المفسرين قولَه تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: ١٠].
فقد تحصّل في ارتضاع الصبية من الكبيرة النائمة ثلاثةُ أوجه: أحدها - إسقاط الغرم وإحالةُ الإفساد على الارتضاع، وهو الأول، والوجهان الآخران قد بانا، فانتظمت الأوجه.
١٠٠٢٨ - وإذا وقع التفريع على الأصح، وهو الوجه الأول، فلو قطَرَتْ قطرةٌ من ثدي صاحبة اللبن، وطيرتها الريح وفاقاً إلى غلصمة الصبية، فلم يوجد منها إرضاع ولا منها ارتضاع، فالذي ذكره الأصحاب تفريعاً على الوجه الأول المشهور أنه لا غرم على الكبيرة، وللصبية نصف صداقها على زوجها.
وإذا فرعنا على مذهب الدارَكي، فلا شك أنه يوجب الغرم على الكبيرة، وهو ضعيف لا تفريع عليه.
هذا قولنا في ارتضاع الصبية من غير إرضاع.
١٠٠٢٩ - ونحن ننعطف على المسألة انعطافاً آخر، ونأخذ في تفصيلِ أصلٍ آخر: ما رأيناه تمحيصٌ للأغراض والمقاصد في المسائل أقربُ إلى مسلك البيان من خلط الأحكام بعضها بالبعض، فنقول: إن وُجد من الصبية ارتضاعٌ، ومن صاحبة اللبن إرضاع، فلا حكم لارتضاعها، ولها نصف المسمى على زوجها.
وقد يعترض هاهنا سؤال، وهو أن الصداق إنما يتشطر إذا كان الزوج هو المطلِّق، فينضم إلى تمكنه من الاستمتاع، وإن لم يستمتع رفعُه النكاحَ بالطلاق،