للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا القدر، ولم يردّوا الأمرَ إلى العادة، ونحن نعلم أن الفقير الذي نفقته في اليوم مدٌّ [يكفي] (١) مسكنَه فرشٌ يستر أبنيةً أو بناء واحداً (٢).

ثم لم يرَوْا اعتبار هذا في حق الغني، [وردّدوا] (٣) الخلاف في الزِّلّية، وتوسعوا في الكُسوة، وحملوا نص الشافعي حيث ذكر ليّن البصرة في حق الغني على عادة زمانه، وأثبتوا في عادات زماننا الخز والحرير.

وهذا في ظاهره تناقض منهم، تبيّن به أن الوجه اتباع ما لا بد منه، وما عداه تجملٌ وزينة لا يتعلق الاستحقاق به، ويمكن أن يقال: ما اعتبره الشافعي من ليّن البصرة على الغني لم يثبته زينةً، وإنما أُثبت إمتاعاً بالثوب الذي يلين حسّه ولا تتأثر البشرة به، وهذا ما أردنا التنبيه عليه.

١٠١٠٧ - والمسكن في النكاح لا بد منه، ثم رأيت للأصحاب في أبواب العِدد عند ذكرهم مسكن النكاح أنه يُسكنها مسكناًً يليق بها، فاعتبروا في ذلك جانبها، ولم يعتبروا في جنس القوت جانبها، وإنما اعتبروا فقر الزوج وغناه، كما قدمناه.

وقد يعترض في هذا سؤالٌ من جهة أن المرأة وإن كانت رفيعة المنصب والزوج يحصرها وحدها أو مع خادمة في الدار، وله أن يمنع أهليها من مداخلتها، وقد نوجب على الفقير أن يُخدِم زوجتَه، واتساعُ المسكن إنما تمس الحاجة إليه لكثرة الساكنين، فما وجه ذلك والطرق متفقة على أن المساكن تختلف باختلاف أقدار الزوجات؟ والأصل في هذا أن الكبيرة المنصب إذا كانت ألفت مسكناًً فسيحاً ينسرح الطرف فيه، فلو رُدّت إلى حجيرة منخفضةِ السقوف ضيقةِ الأبنية، كان ذلك بالغاً في الإضرار بها، وهذا واضح في العادات، ولذلك أطبق أهل المروءات على التباهي بالمساكن وارتياد


= ما يسمّيه أهل مصر (السجّاد) يطلقون عليه (الزَّلّ) بفتح الزاي، وهو ما يفرش من البسط بأنواعه وأشكاله.
(١) في الأصل: ففي.
(٢) كذا. ولعل المعني بالبناء الحجرة.
(٣) في الأصل: وردّوا.