للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٠١٧٠ - والسر الموعود الذي به بيان التفاصيل أن من أعطى على اعتقاد الوجوب وظنِّ توجّه الطَّلِبة، ليس يخطر له التبرع بوجهٍ، فلا جرم إذا لم يقع عن الجهة المعيّنة، فلا وجه إلا الاسترداد؛ فإن الرجوع إلى قصد المعطي، فإذا جرّد قصده وحملَه على عقدٍ لا تردد فيه عنده، ثم بان بطلانُ القَصْد، والعَقْدِ، فيبقى مجرد البذل، ومجرد البذل لا يملّك القابض؛ إذ تسليم المال يقع على وجوهٍ، والمملّك منها بعضُها، فإذا بطل ما قصد، ولم يثبت مملِّك، وصورةُ الإقباض لا تملّك، فلا يخفى ثبوت الاسترداد.

واستدل الأصحاب على هذا مع وضوحه بحديث أُبي بنِ كعب، قال رضي الله عنه: كنت آتي بعضَ الأنصار، فأقرئه وأعلِّمه القرآن، فأعطاني قوساً، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه، وقصصت عليه القصة، فقال عليه السلام: " أتحب أن يقوّسك الله بقوس من نار؛ فقلت: لا، قال: فارددها " (١)

وقد يستدل أصحاب أبي حنيفة بهذه القصة إذا قالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على

تعليم القرآن، وهذا لعدم إحاطتهم بمعنى الحديث؛ فإن أُبيّاً رضي الله عنه، ما كان

يعلّم الأنصاري بأجرة، وإنما كان يتقرب إلى الله بتعليمه، فظن الأنصاري المتعلم أنه

يستحق عليه أجراً، فأعطاه القوسَ ظاناً أنه باذلٌ حقاً عليه، فلما اطلع رسول الله على

حقيقة الحال أمره بردّ القوس؛ فإنه لم يقع حقاً مستحَقّاً على ما ظنه الأنصاري، ولو

كان الأنصاري متبرعاً، فالتبرع [غيرُ] (٢) مردود باتفاق المذاهب. هذا إذا اتحد القصد

والعَقْدُ، ثم بأن خلافه.

١٠١٧١ - فأما إذا علم الباذل أنه لا حق عليه في الحال، وكان لا يتوقع وجوباً في

المآل، وهو فيما بذله على قصد تعجيله، فبذْلُه تبرع، فإن كان هبة، فقد نقول:


(١) حديث أبي بن كعب أنه علم رجلاً القرآن ... الحديث. رواه ابن ماجه (التجارات) باب:
الأجر على تعليم القرآن، ح٢١٥٨، والبيهقي في الكبرى (٦/ ١٢٦) من رواية
عبد الرحمن بن سلم عن عطية الكلاعي عن أبي به. وقد أعل الحديث بوجهين، أطال
الحافظ في مناقشتهما (ر. التلخيص: ٤/ ١٣ ح١٨٤٩).
(٢) زيادة لا يستقيم الكلام إلا بها.