للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن زعمت أن عاداتها مضطربة، وكانت لا تعرف أقل عاداتها، فهي محمولة على أقل ما يتصور انقضاء الأقراء فيه، ولا تستحق النفقة إلا لأقلِّ زمنٍ يُتصور انقضاء عدتها فيه؛ فإن هذا القدرَ هو المستيقن، ولا متعلّق معنا من عادتها، حتى نتخذه أصلاً مرجوعاً إليه.

ولو كانت تعرف أقل عاداتها، وكان ذلك أكثرَ من الأقل الذي وصفناه، فقد قال الأصحاب: ليس لها إلا نفقةُ أقلِّ عاداتها، ويحتمل أن يقال: إذا كانت عاداتها مستقيمة، ولم تدّع أن الأقراء جرت على حسب العادة التي ألفتها قديماً، بل ادعت الجهالة، فليس لها إلا نفقة أقل الأزمان؛ فإن هذا هو المستيقن، وهي ما ادعت مزيداً، فتُصَدَّق، وليست الأدوار وإن تكررت بعيدة عن الزيادة والنقصان، وهذا الوجه يجري إذا كانت عاداتها مختلفة، وكانت تعرف أقلّها، فيتجه أن لا نوجب لها إلا الأقلَّ الذي لا أقل منه؛ لأنها لم تدع، بل ردّدت قولها، وليس النقصان ولا الزيادة مستنكَرَيْن في أدوار الحيض والطهر.

هذا فقه الفصل وبيانُ مراد الشافعي، وتفصيل الأصحاب على سَنَن الصواب.

١٠١٧٦ - وأما المزني، فإنه ظن أن الشافعي صور المسألة فيه إذا ادعت المرأة أن أقراءها [انقضت] (١) في زمان ذكرته، ثم قال: لا تُصَدّقُ فيه. فأخذ يعترض قائلاً: إنهن مؤتمنات في أرحامهن، فكيف لم نصدقها، واستشهد بالرجعة عند فرض التنازع في انقضاء العدة في كلامٍ يطول (٢)، ولا حاصل لما جاء به؛ فإن اعتراضه غير واقع على تصوير الشافعي، فإنه رضي الله عنه صوّر الكلام فيه إذا لم تدع المرأة مدةً، وأبهمت قولَها، ثم تفصيل المذهب في اضطراب عاداتها واستقامتها كما ذكرناه.

فأما إذا ادعت المرأة وقوع أقرائها في زمن ذكرته، فهي مصدّقة مع يمينها، لا خلاف فيه. هذا بيان مقصود الفصل.


(١) في الأصل: نقصت.
(٢) ما رأيناه في مختصر المزني إشارة عابرة إلى المسألة، وليس "كلاماً يطول" فهل ذكره المزني في جامعه الكبير مثلاً، أم في غيره (ر. المختصر: ٥/ ٨٠) لترى إشارة المزني الموجزة جداً.