للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو علي وجهين في أنه هل يستبد الجدُّ بالاستقراض على الغائب من غير مراجعة القاضي مع القدرة عليها، ولست أرى لجواز الاستقراض عليه من غير مراجعة القاضي وجهاً أصلاً؛ فإن الجد لا يلي في غيبة الأب، وما أثبتناه في الأم، فمعتمدنا فيه الخبر، فلعل الشيخَ نزَّل الجد في الغيبة منزلة الأم، وليس هذا من مواضع القياس، بل القاضي يلي الطفل في غيبة الأب.

وقد انتهى هذا الغرض.

١٠١٩٣ - ونحن نبتدىء مقصوداً آخر منعطفاً على ما تقدم، فنقول: من ملك عقاراً، فهو مبيع على قدر الحاجة في نفقة من يجب نفقته، وكل ما يباع في الديون، فهو مبيع في النفقات، وسنوضح في أثناء الكلام أن النفقة مقدمةٌ على الدين.

١٠١٩٤ - فإذا لم يملك الرجل شيئاًً يباع في دين، ولكنه كان كسوباً قادراً على أن يحصّل قوتَ نفسه وقوتَ قريبه، فهل يجب عليه أن يكتسب، وكيف السبيل فيه؟ قال الأئمة: إذا قدر على الكسب، فهل له أن يتكفف ويسال الناس إلحافاً؟ فعلى وجهين: أحدهما - يجب عليه أن يكتسب، ويتركَ التعرّض [للناس] (١)، وهذا يعتضد بقول المصطفى صلى الله عليه، إذ قال: " المسألة حرام إلا على ثلاثة الحديث " (٢) ولولا الحديث، لما كان ينقاس تحريم المسألة والتعرض للناس بالسؤال.

ومن أصحابنا من لم يحرّم السؤالَ -مع القدرة على الكسب، وحمل قول رسول الله


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) حديت: " لا تحل المسألة إلا لثلاث " رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، والشافعي في الأم والدارقطني في سننه، كلهم من حديث قَبيصة بن مُخَارق رضي الله عنه (ر. مسلم: الزكاة باب من تحل له المسألة، ح ١٠٤٤، أبو داود: الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، ح ١٦٤٠. النسائي: الزكاة باب الصدقة لمن تحمل بحماله ح ٢٥٨٠، ٢٥٨١، وباب فضل من لا يسأل الناس شيئاً، ح ٢٥٩٢. الأم: ٢/ ٦٢، الدارقطني: ٢/ ١١٩، ١٢٠) وتمام الحديث " رجل تحمل حمالة، فحلّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة ... " وهذا لفظ مسلم.