للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطفل فيما يتعلق بدينه، وبحقٍّ قيل: التلقُّف في الصغر كالنقش في الحجر.

ؤقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا: لا يشترط إسلام الأم، واحتج على ذلك بما روي " أن أباً مسلماً وأماً كافرة تنازعاً مولوداً بينهما، ولم يكن المولود مميزاً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحضاره، وقال للأبوين: ادعواه، وقال عليه السلام في نفسه لما دعواه: " اللهم اهده "، فانسل الصبي إلى أبيه " (١) ولو لم يكن للكافرة حظ (٢)، لبتَّ عليه السلام قوله في الإلحاق بالأب.

ومذهب الأصطخري لا ينطبق على مضمون الحديث، وقد يقول: إنما نخاف على دين الطفل إذا كان مميزاً، ولست أرى ما يقول إذا ميّز الصبي بين أمه الكافرة وأبيه المسلم، فإن قال: " يخير "، فقد ظهر تعريض دينه للفتنة، وإن قال: لا يضم إلى الأم إذا ميز، اضطرب أصله وتخبط مذهبه، والجملة أن ما قاله ليس معتداً به، والمذهب ما ذكرناه.

وكل ما أشرنا إليه فيه إذا لم يبلغ الولد مبلغ التمييز.

١٠٢٢٥ - فإن بلغ سنَّ التمييز مميِّزاً وهو سبعٌ أو ثمان ولا ضبط في هذا السن، وقد يتقدم التمييز على السبع، وقد يستأخر عن الثمان، والغرض حصول التمييز، فإذا صار الصبي مميزاً، خيّرناه بين الأب والأم ونضمه إلى من يختار من الأبوين إذا كان كل واحد منهما أهلاً للحضانة، ولا فرق بين أن يكون غلاماً أو جارية، وأبو حنيفة (٣)


(١) حديث: " أن أباً مسلماً وأماً كافرة تنازعا ولداً ... " الحديث. رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم، والدارقطني من حديث رافع بن سنان. قال الحافظ: وفي سنده اختلاف كثير وألفاظ مختلفة (ر. المسند: ٥/ ٤٤٦، ٤٤٧، النسائي: الطلاق، باب إسلام أحد الزوجين وتخيير الولد، ح ٤٣٩٥. أبو داود: الطلاق، باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون الولد ح ٢٢٤٤. ابن ماجه: الأحكام، باب تخيير الصبي بين أبويه، ح ٢٣٥٢.
مستدرك الحاكم: ٢/ ٢٠٦، الدارقطني: ٤/ ٤٣. تلخيص الحبير ٤/ ٢٠ حديث رقم ١٨٥٧).
(٢) هذا وجه الاستدلال بالحديث، فالمعنى أنه لو لم يكن للكافرة حق في الحضانة، لما كان التخيير.
(٣) ر. مختصر الطحاوي: ٢٢٧، مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ٤٥٦ مسألة ٩٧٥، فتح القدير ٤/ ٣٦٧ وما بعدها.