للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهل يجب القصاص على المكرِه؟ إن قلنا: للصبي عمد، فيجب القصاص على المكرِه، ولا أثر لسقوط القصاص عن الصبي [ولو] (١) باشر مختاراً؛ فإن إلمكرِه لو كان مكلفاً، لأسقطنا القصاص عن الصبي.

وإن قلنا فعل الصبي خطأ، ففي وجوب القصاص على المكرِه تردُّدٌ للأصحاب، وقد أشار القاضي إلى الخلاف فيه، وحقيقة هذا التردد ترجع إلى أنا هل ننقل تقدير فعل المكرَه إلى المكرِه على صفته (٢) أم نجعل المكرَه كالمباشر القتل، ولا ننظر إلى صفة فعل المكرِه؟

وعلى هذا يخرج ما لو أجبر إنسانٌ على أن يرميَ إلى ما يحسبه هو -يعني المكرَه- صيداً وهدفاً، وكان المكرِه يعلم أنه إنسان، فإذا رماه مكرهاً، فللأئمة تردد (٣) في وجوب القصاص على المكرَه.

ولو أكره صبي بالغاً على قتلٍ، فلا يخفى أن الصبي لا قصاص عليه، فأما البالغ، فأمره يخرّج على أن المكرَه هل يجب عليه القود أم لا؟ وفيه القولان. فإن قلنا: لا قصاص على المكرَه، فلا كلام. وإن قلنا: يجب القود على المكرَه، ففي هذه الصورة نفرع أمره على أن الصبي هل له عمد أم لا؟ فإن قلنا: لا عمد له، فلا قود على المكرَه، فإنا نوجب القصاص على المكرَه بتأويل الشركة، فإذا كان الشريك صبيّاً، لم يجب القصاص. فإن قلنا: للصبي عمد، فقد شارك المكرَه عامداً ضامناً، فيلزمه القصاص، وإن لم يجب على شريكه العامد الضامن.


(١) في الأصل: "لو" بدون الواو.
والمعنى أنه لو اشترك بالغ مع صبي مميز ٍ-وقلنا للصبي عمد- فيجب القود على شريك الصبي ولو باشر فعله مختاراً بغير إكراه، فإنه شارك عامداً، والمذهب أن القود يجب على المكرِه والمكرَه باعتبارهما شريكين.
(٢) المعنى أننا هل ننقل فعل المكره (بالفتح) على صفته إلى المكرِه، أي إن اعتبرنا فعل الصبي خطأ فهل ننقله إلى المكرِه بهذه الصفة (خطأ)، فلا قود إذاً، أم أننا ننقل الفعل إلى المكرِه ونعتبر الصبي آلة، فهنا يجب القود.
(٣) سبب التردد أن فعل المكرَه صورته شبه عمد، فالمكرِه إن نقلنا إليه الفعل بصفته لا يجب عليه القود، وإن قلنا: إنه شريك المكره، فقد شارك غير عامد.