للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناظرة يحاول أن يثبت رأيه بأن الحديث الذي يعتمده أثبتُ من حديث صاحبه وأوثق، وقد انتصر أبو حنيفة صاحبُ الرأي في إثبات أن معتمده من الحديث أقوى من معتمد الأوزاعي صاحبِ الحديث.

وقد أورد هذه المناظرةَ الشيخُ الخُضري وعلق عليها قائلاً:

" وهذه المحاورة بدون أن نناقش أقوالها تدل على ما كان لكل فريق عند الآخر، وتدل على أن الجميع واقفون عند حد السنة متى وثقوا بها من روايتها " (١).

فالفرق إذاً بين المدرستين فرقٌ في مقدار الأخذ بالرأي، حيث يكثر منه أهل العراق، ولا يكثر منه أهل المدينة، وفرق في نوع الرأي، حيث كان أهل العراق يسيرون في أكثر رأيهم على منهاج القياس، فتبع ذلك أن كثرت التفريعات الفقهية في العراق، والإفتاء فيما لم يقع لاختبار الأقيسة، وذلك ما يسمى بالفقة التقديري (٢).

ولم يوجد هذا النوع من الفقه في المدينة؛ لأن الأساس كان المصلحة، وهي لا تتحقق إلا في الوقائع؛ فلا يجيء فيها الفرض والتقدير.

هذا الكلام كتبناه وقررناه منذ نحو أربعين عاماً في مقدمات كتابنا (فقه إمام الحرمين).

وعندما جاءت المناسبة لإعادته هنا نظرنا فيه، وفيما كُتب في هذه المسألة، وجدنا أن ما قلناه قد ذكره بوضوح أتم شيخُنا العلامة الشيخ محمد أبو زهرة - ومن عجب أن ما قاله الشيخ لم يشع ولم نره في الأبحاث والدراسات، وظل كل من كتب في تاريخ الفقه ومقدماته يقررون أنه نشأ مدرستان: مدرسة الرأي ومدرسة الحديث، مع أن كتاب الشيخ الذي قال فيه ذلك شائع متداول، منذ سنة ١٩٤٨ م، وهو كتابه بعنوان (الإمام الشافعي) فقد جاء فيه ما نصه (٣):

"يجب أن نشير إلى أنه قال بعض كتاب الفقه في هذا المقام إنه ظهر مدرستان للفقه


(١) تاريخ التشريع للخضري: ١٤٧.
(٢) تاريخ المذاهب الفقهية لأبي زهرة: ٣٦.
(٣) ر. الإمام الشافعي: حياته وعصره: ٤٢، ٤٣، ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>