للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في أَسْر البغاة

١١٠٠٨ - إذا أسرنا منهم أسيراً، لم نقتله صبراً، خلافاً لأبي حنيفة (١)، ولكنه يحبس حتى تضع الحرب أوزارها، فإن بايع الإمامَ خُلِّي، وإن أصر على غُلَوائه، فرجعت الفئة الباغية إلى الطاعة، خلّينا سبيل هذا الأسير؛ فإنه لا يتأتى منه الاستقلال بالمخالفة بعد تفرق كلمة الفئة الباغية، ولو أسرنا منهم أسيراً، فانجلى ذلك القتال، وما زالت شوكتهم، وكنا على اتباعهم، وعلى انتظار الكرّة منهم، فلا يُخلَّى الأسير والحالة هذه.

ولو ظفرنا بنسائهم، لم نتعرض لهن بالأسر، وإن وقعن في ضبط (٢) الجند، خلّينا سبيلهن، هذا هو المذهب الظاهر.

وذهب أبو إسحاق المروزي فيما نقله العراقيون إلى أنّا نحبسهن؛ فإن في حبسهن كسر قلوبهم، وحملهم على الطاعة.

ولو انهزم البغاة متحيزين إلى فئة، فإن كانت كلمتهم واحدة، وكان مسيرهم تحت الراية الجامعة، فقد ذكرنا أنا لا نخلّي الأسرى، وإن تحيّزوا إلى فئة قريبة، فكذلك، وإن تفللوا أفراداً وتحيزوا إلى فئة بعيدة، ففي وجوب تخلية الأسرى وجهان، وذكر العراقيون وجهاً عن بعض الأصحاب أنه مهما انقضى القتال خُلِّي الأسرى من غير فرق، وهذا بعيدٌ، لا أصل له، ولا بد من التفصيل الذي ذكرناه.

ولو وقعت بأيدينا أموال، لم تكن من قِبَل الأسلحة، فهي مردودة عليهم، وإن ظفرنا بخيلهم وسلاحهم، لم نردها حتى ينقضي القتال، كما ذكرناه في تخلية الأسرى، والعبيدُ من أقوى العُدد، فسبيلهم كسبيل الأسرى والأسلحة.

والمراهقون إن كانوا يقاتلوننا، فسبيلهم كسبيل العبيد، وإذا لم يبلغ الصبيان مبلغ


(١) ر. المبسوط: ٩/ ١٢٦، فتح القدير: ٥/ ٣٣٧، البدائع: ٧/ ١٤٠ - ١٤١.
(٢) ضبط الجند: أي أمسك بهن الجند وسيطروا عليهن.