للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لا يكاد يخفى معنى فرض الكفاية فيما ذكرناه. فإِذا قام بالأذان -الذي يبلغ أهلَ البلدة- رجل أو رجال، سقطت فريضة الأذان عن الباقين، وسيأتي فصل بعد ذلك في أنه إِذا سقط فرض الكفاية على رأي من يقول بالفرضيّة، فكيف الترتيب في استحباب الأذان لآحَاد الناس بعد فراغ المؤذنين المسقطِين للفرض؟

٦٧٩ - فإِن فرعنا على ما كان يصححه شيخي، وقطع الصيدلاني به، وهو أن الأذان سنة، فلو أطبق أهل ناحيةٍ على تركه، وتعطيل المساجد منه، وقُدِّمَ إِليهم نذير، فلم يقبلوا واستمروا عليه، فهل يقاتَلون؟ ما ذهب إِليه الأصحابُ أنهم لا يقاتَلون، وحكَوْا عن أبي إسحق المروزي أنه قال: إِنهم يقاتلون (١)، وإِن (٢) حكمنا بأن الأذان في وضع الشريعة سنة، واستدلّ هؤلاء بما روي أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زمانه كانوا إِذا مَرُّوا بناحية، ولم يسمعوا صوت الأذان، صابحوا أهلها بالقتال. وربما تعلقوا من طريق المعنى بأن النفوس لا تطمئن إِلى إِماتة الشعائر الظاهرة إِلَاّ إِذا أضمروا ردَّ الشريعة، واعتقدوا بطلانها.

ونحن نقول (٣): أما الخبر، فلا حجة فيه؛ من جهة أنهم كانوا يَرَوْن ترك الأذان علامةً في أن أهل الناحية من الكفار؛ إِذْ كانوا قاطعين بأن قابلي الإِسلام، ومصدقي الرسل في علو الدين وصدمة الشريعة، وصفوة الملة، كانوا لا يتركون الأذان، ولم يكن ذلك عندهم -في حُكم عرف الزمان- أمراً مظنوناً، بل كان مقطوعاً به، والدليل عليه أن أبا إسحق لما رأى نَصْب القتال إِنّما رآه إِذا أُنذروا، فامتنعوا، واستمروا، وكان رسول الله وأصحابه يشنون الغارة على أهل النّاحية -إِذا علِموا أن لا أذان فيهم- من غير إِنذار وإِعلام، وإِشعار.

وأما ما ذكروه من إِنذار ترك الشعائر بالخلو عن الاعتقاد، فليس وراءه حاصل؛ فإِنهم إِذا اعتقدوا كون الأذَان سنة، وتناجى بذلك الخواص والعوام، وشهروا فيما بينهم، وانضم إِلى ذلك عسر القيام بدرك مواقيت الصلاة، فينبني عليه ترك الأذان على


(١) ر. الغياثي: فقرة ٢٩١. حيث قطع إمام الحرمين هناك بأنهم يقاتَلون.
(٢) أي مع حُكمنا بأن الأذان سنة.
(٣) أي ردّاً على القائلين بقتالهم.