للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

توبته، وإن تكرر ذلك منه، ولا ضبط في أعداد المرات.

وحكى العراقيون عن أبي إسحاق المروزي أنه قال: إنما تقبل التوبة في الكرة الأولى، فإذا ارتد مرة أخرى، لم تقبل توبته أصلاً. وهذا من هفواته الفاحشة، ولا مبالاة بها.

١١٠٢٦ - ونحن نذكر بعد ذلك استتابةَ المرتد، والتفصيلَ فيها. فنقول: الوجه مراجعتُه وعرضُ التوبة عليه، وهل نمهله ثلاثة أيام لعله يتوب؟ فعلى قولين: أحدهما - أنا لا نمهله، وهو مذهب المزني؛ فإنه محمول بالسيف على الإسلام، وإسلامه يناقض هذا المعنى، ولا حياة في لحظة في الإصرار على الردة. والقول الثاني - أنا نمهله ثلاثة أيام، وهو فيها محبوس، ولا نمنعه الشراب والطعام.

ومعتمد هذا القول مذهب عمر رضي الله عنه، روي أن رجلاً قدم عليه من الشام، فقال له: هل من مَغْرَبَةِ خبرٍ؟ (١) فقال: لا، إلا إن نصرانياً أسلم، ثم ارتد، فقتله أبو موسى الأشعري. فرفع عمر يديه نحو السماء، فقال: " اللهم إني أبرأ إليك مما فعل أبو موسى، هلا حبستموه (٢) في بيت ثلاثاً تلقون إليه كل يوم رغيفاً، لعله يتوب "؟ (٣)، ووجهه من جهة المعنى أنا نرجو عوده إلى الإسلام، وهو أقرب إلى الصلاح من ابتدار قتله.

ثم التقييد بالثلاث مأخوذ من قول عمر، ثم هي مدة ثابت بها خيار الشرط، ومال إلى التأقيت بها أقوال في مسائل: كإمهال تارك الصلاة، وكالفسخ بسبب العتق تحت


(١) مغربة خبر: أي خبر جديد، ثم هي بفتح الميم وسكون الغين وكسر الراء وفتحها مع الإضافة. وقال الرافعي: " شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشدّدوها ". وهو في الموطأ كما قال (٢/ ٨٣٧).
(٢) ت ٤: " خليتموه ".
(٣) أثر عمر رضي الله عنه رواه مالك في الموطأ (٢/ ٨٣٧)، والشافعي (ترتيب المسند: ٢/ ٨٧ ح ٢٨٦) وعبد الرزاق في المصنف (١٨٦٩٥)، وابن أبي شيبة في المصنف (٧/ ٥٩٩)، والبيهقي في الكبرى (٨/ ٢٠٦)، وفي المعرفة (٥٠٣٢)، وانظر التلخيص: (٤/ ٩٤ ٢٠١٦).