للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسر، أو محفوفاً بجمع من الكفار [يظهر] (١) الاستقصاء (٢) منهم، فإذا كان الأمر كذلك؛ فالقول قول المشهود عليه مع يمينه، وإنما نصدقه لظهور الأحوال، ثم نحلّفه؛ لأنه لا يبعد اختياره للتلفظ بكلمة الردة مع ما وصفناه من الأسباب التي تغلّب على الظنون الإكراه، وإن لم يُظهر المشهود عليه الأحوالَ الدالة على الإكراه؛ فظاهر المذهب أن دعوى الإكراه لا تُسمع منه.

وهذا يستدعي مزيد كشف سيأتي في كتاب الشهادات، إن شاء الله عز وجل؛ إذ الشهادة المطلقة على العقوبة (٣) مسموعة محمولة على الصحة كالشهادة على البيع ونحوه، وذكر بعض الأصحاب قولاً مخرجاً ضعيفاً: أن الشهادة لا تقبل ما لم تشتمل على ذكر الشرائط المرعية في الصحة، فالشهادة على الردة تخرج على هذا، فإن ما تحصل الردة به عَسِر المُدرك، لا يستقل به إلا خواص العلماء، فإذا أطلق الشاهد لفظ الشهادة في الردة، فهل يقع القضاء بها؟

الظاهر أنه يقع القضاء بها، ويخرج في المسألة القول الذي ذكرناه، وخروجه في هذا المقام أوضح وأولى؛ لما في التكفير وأسبابه من اضطراب العلماء، فإذا لم تُقبل الشهادة، لم نحكم بالردة، والوجه قبولها، والحكم بالردة. وسيأتي استقصاء ذلك في كتاب الشهادات، إن شاء الله عز وجل.

١١٠٣٥ - فلو قال الشاهدان: نشهد بأنه تلفظ بالردة، ولم يطلقا الشهادة بأنه ارتد، فلو قال المشهود عليه: صدقا، ولكني كنت مكرَهاً، قال شيخي أبو محمد: قوله مقبول؛ فإنه ليس يناقض الشهادة، ولا يتضمن تكذيبها؛ فإن المكره يتلفظ، والذي يشهد عليه الشاهدان التلفّظ بالردة، ثم قال: الحزم أن يجدد الشهادتين.

فإن قتله قاتل والحال كما وصفناها قبل أن يجدد الشهادتين، فهل يضمنه؟ فعلى قولين: أحدهما - أنه لا يضمنه؛ لأن لفظ الردة قد ثبت، ولم يتعرض الشاهدان للإكراه ولا للاختيار، والأصل في أحوال الناس الاختيار، فكل لافظ فهو في إنشاء


(١) في الأصل: " فظهر ".
(٢) ت ٤: " الاستشعار ".
(٣) ت ٤: " العفو ".