خروج الدابة أو ينفصل، فإذا افتتح سَوْقَها وأخرجها، فهو مخرِج للدابة وما عليها، وإن وضع الحمل على الدابة، ولم يسُقها، فسارت الدابة بنفسها، وخرجت من الحرز بما عليها، فللأصحاب طرق: منهم من قطع بأن واضع الحمل عليها ليس سارقاً؛ من جهة أن البهيمة ذات اختيار، وقد انفصلت بنفسها.
وقال العراقيون: إن تراخى مسيرُها عن وضع الحمل عليها، ثم افتتحت المسير، فلا حدّ، والإخراج غير مضافٍ إلى السارق، وإن خرجت الدابة على الاتصال بوضع الحمل عليها، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أن الإخراج مضاف إلى الرجل، كما لو ساقها، والثاني - أنه ليس مضافاً إليه، بل هو مضاف إلى اختيار البهيمة.
وذكر بعض الأصحاب مسلكاً آخر، فقال: إذا اتصل مسيرُها بوضع الحمل عليها، فالرجل منتسب إلى الإخراج، وإن [تراخت](١) البهيمة، ثم سارت، فوجهان.
وحقيقة هذا يُحْوِج إلى تجديد العهد بمسألة فتح القفص عن الطائر مع تصوير الطيران، وحاصل ما ذُكر ثَمَّ في إيجاب الضمان ثلاثة أقوال: أحدها - أنه لا يجب الضمان أصلاً، اتصل الطيران أو انفضل، والثاني - يجب الضمان اتصل أو انفصل، والقول الثالث - أنه إن اتصل الطيران وجب الضمان، وإن تراخى، لم يجب.
فالآن نقول: في مسألة الحمل على الدابة ومسيرها، وتحقيق السرقة من الرجل طريقان للأصحاب: منهم من نزل هذا الحكمَ المطلوبَ منزلة الضمان في مسألة الطيران حتى يخرج الأقوال الثلاثة، وتقريب القول فيه أن فتح القفص يُهيج الطائر والحمل على البهيمة والأرباط يَهِيجُها للسير، فقد تساوى المأخذان.
ومن أصحابنا من قطع فيما نحن فيه بنفي السرقة، وإن تردد القول في مسألة الطائر في الضمان، والسبب فيه أن التسبب مضمِّنٌ في الغصوب والإتلافات، والسرقة تعاطي الإخراج بالنفس، وهذا المعنى لا يتحقق مع اختيار البهيمة. ولو فصل فاصل بين بهيمة مطمئنة لا نِفارَ بها، وبين بهيمة ذاتِ نِفار، لكان هذا وجهاً في الاحتمال،
(١) مطموسة في الأصل، وما زلنا في السطور التي انمحت من (ت ٤).