للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دخل عليك وقت الصلاة فأذّن وارفع صوتك؛ فإِنه لا يسمع صوتك حجر ولا مَدَر إِلا يشهد لك يوم القيامة" (١).

ومن أئمتنا من قال: إِن كان يرجو حضورَ جمع، رفع صوته، وإِن كان لا يرجو أذَّنَ في نفسه، وحديث أبي سعيد الخدري وقول الرسول له ليس نصاً في حالة انفراده؛ فإِنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لذلك، وليس يبعد عن الحال أنه كان يتبدّى (٢) مع عُصبة من خدمه وحشمه.

٦٨٧ - فهذه مسائل أرسلناها وحكينا ما قيل فيها، ونحن الآن نبغي فيها ضابطاً، ونؤثر تخريج محل الوفاق والخلاف عليه إِن شاء الله تعالى.

فالغرض الأظهر الذي انبنى عليه أصل الأذان إِظهار الدعاء إِلى الصلاة، وإِعلام الناس دخول الوقت، والغرض من الإِقامة إِعلام من حضر أو قرب مكانُه ممن يحضر أَنَّ الصلاةَ قد قامت، وهذا واضح بينٌ. ثم من اندرج تحت الدعاء وحضرَ الجمع، فهو مدعوٌّ مجيب، فلا يؤذن ولا يقيم، ومن لم يحضر أصلاً، ولزم موضعَه، ولكن


(١) حديث أبي سعيد أخرجه البخاري مع اختلاف في اللفظ: الأذان، باب رفع الصوت بالنداء، ح ٦٠٩، ورواه مالك في الموطأ على نحو البخاري: ص ٦٩، الصلاة، ح ٥.
هذا. وسياق إِمام الحرمين للحديث مخالف لما في البخاري والموطأ، وقد تبعه في هذا الغزاليُ في الوسيط، قال النووي في تنقيح الوسيط: هذا الحديث مما غيره المصنف، وشيخه، وصاحب الحاوي، والقاضي حسين، والرافعي، وغيرهم من الفقهاء، فجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم هو قائل هذا الكلام لأبي سعيد، والصواب ما ثبت في صحيح البخاري والموطأ وجميع كتب الحديث عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري أنّ أبا سعيد الخدري قال له: "إِني أراك تحب الغنم والبادية .... " قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا. هـ
وقد نقل الحافظ اعتذار ابن الرفعة عن الأئمة الذين أوردوا الحديث مغيَّراً، لكنه قال: إِن في جوابه تكلفاً. (ر. التنقيح للنووي، ومشكل الوسيط لابن الصلاح - بهامش الوسيط: ٢/ ٤٣، ٤٤، التلخيص: ١/ ١٩٣ ح ٢٨٥).
وأخيراً -ونحن نراجع تجارب الطباعة- ظهر البدر المنير مطبوعاً، فرأينا ابن الملقن يقول (٣/ ٣١١): "وأبدى ابن الرفعة في مطلبه عذراً حسناً لهؤلاء الجماعة" فانظر الفرق بين الموقفين من اعتذار ابن الرفعة.
(٢) أي يخرج إِلى البادية.