للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو كانت اليد اليمنى شلاء، فإن كنا نخاف نزف الدم لو قطعناها، لم نقطعها، وقدّرنا كأنه سرق ولا يمنى له، وإن لم نخف نزفَ الدم، فالذي ذكره الأصحاب أنا نكتفي باليمين الشلاء إذا كانت ذات أصابع، وفي هذا احتمال؛ من جهة أنه لا تَقَدُّرَ فيها، وليست عاملة، فإذا سقط العمل، [وتَقُدُّرُ] (١) الأرش أمكن أن يقال: لا اكتفاء بها.

والأظهر الاكتفاء؛ فإن من قطعت يده السليمة، وكانت يد القاطع شلاء، فاكتفى بها مستحق القصاص، وقعت موقع الإجزاء، فإذا لم يبعد اكتفاء مستحق القصاص بالشلاء، لم يبعد اكتفاء الشرع بقطع الشلاء في السرقة، والعلم عند الله تعالى.

ولو كان على الساعد اليمنى كفّان، فقد قال الأصحاب: نقطعهما. ونعلم أن الأصلية إحداهما، ولا مبالاة بالأخرى إن قطعناها؛ لما ذكرناه من أن اليمين لو كانت عليها إصبع زائدة، لقطعناها، ولم نحتفل بتعطيل الإصبع الزائدة.

وهذا فيه تفصيل عندنا: فإن كانت اليد الأصلية بيّنة، فأمكن قطعها، فلا سبيل إلى قطع الأخرى، وإن كان لا يتأتى قطع الأصلية إلا بقطع الزائدة [فهل نقطعهما حينئذٍ] (٢) إن كان قد أشكل الأصلي منهما؟ فالذي رأيته للأصحاب أنا نقطعهما ليتحقق قطع اليد المستحقة، ولا مبالاة بإبانة الزائدة. وهذا ظاهر التوجيه، فليتأمله الناظر.

١١١٣٠ - ثم مذهب العلماء أن قطع اليد من مفصل الكوع، وقطع الرجل من الكعبين، وذهب بعض أصحاب الظاهر إلى أن اليد تقطع من المنكب (٣)، وهذا


(١) في الأصل: " وتعذر ". ومعنى سقط تقدّر الأرش: أي أن اليد الشلاء ليس في الجناية عليها بقطعها أرش مقدّر، بل سقط بالشلل أرشها الذي هو نصف الدية.
(٢) عبارة الأصل: " ... إلا بقطع اليد الزائدة حينئذ نقطعهما ". والتصرف بالتقديم والتأخير والزيادة من المحقق.
(٣) لم نجد هذا الذي نسبه الإمام إلى الظاهرية عند ابن حزم وهو عمدتهم ومحصل آرائهم، بل وجدناه ينسب هذا القول إلى الخوارج (المحلى: ١١/ ٣٥٧). لكن هذا لا يطعن فيما قاله الإمام، حيث قال: " وذهب بعض أصحاب الظاهر " فلعل هذا كان قولاً لبعض الظاهرية، ثم هُجر منهم.