للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو أشفى (١) بسبب العطش، ولم يجد ما يطفىء غُلته إلا الخمرَ، تعيّن عليه شُربُها، كما يتعيّن على المضطر أكلُ الميتة. هذا قول الأصحاب أجمعين.

ثم تعرضوا للتداوي بالخمر وأجرَوْا ترتيبَ المذهب على أن التداوي بالأعيان النجسة سائغ كالترياق، وفيه لحوم الحيات وما في معناها من المعاجين التي تشوبها الأعيان النجسة، ورأَوْا الخمرَ مستثناة من الأعيان لتخصيص الشرع إياها، ثم [من آثار التغليظ فيها] (٢) الحدُّ، واسترْوَحوا في ذلك إلى ما روي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التداوي بالخمر، فنهى عنه. وقال: " إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " (٣).

ثم بلغنا عن آحادٍ من الأئمة المتأخرين التشبيب (٤) بجواز المعالجة (٥) بالخمر من غير تدوين ذلك في تصنيف، وإنما ترامزوا به ترامز المتكاتمين. فهذا مسلك النقل.

١١٢٠٣ - ومسلك التحقيق فيه: أن التداوي بالأعيان النجسة عندنا بمثابة تعاطي الميتة بسبب الضرورة، والحد الذي يجوز أكل الميتة له سيأتي في كتاب الأطعمة، إن شاء الله.

والقدر الذي نذكره هاهنا أنا نشترط العلم بأن تعاطيه يدرأ الضرورة، ثم في حد


(١) أشفى: أي قارب الهلاك.
(٢) عبارة الأصل: " ثم أثار من التغليظ منها الحد ".
(٣) حديث: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم " أخرجه ابن حبان، وأبو يعلى والطبراني في الكبير، والبيهقي في الكبرى، كلهم من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن مسعود، قال الحافظ: وقد أوردته في تغليق التعليق إليه من طرق صحيحة. وللحديث شاهد عند مسلم من حديث وائل بن حجر أن طارق بن سويد الجعفي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها وكره أن يصنعها للدواء فقال: " إنه ليس بدواء ولكنه داء ". (ر. صحيح ابن حبان: ٢/ ٣٣٥ ح ١٣٨٨، مسند أبي يعلى: ح ٦٩٦٦، الطبراني في الكبير ٢٣/ ٣٥٦، البيهقي: ١٠/ ٥، البخاري: الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل، مسلم: الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر، ح ١٩٨٤، التلخيص: ٤/ ١٤٠ ح ٢١١٢).
(٤) في الأصل: " التسبيب "، والمثبت من المحقق على ضوء المعهود من ألفاظ إمام الحرمين.
(٥) في الأصل: " المعاجلة ".