للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثاني - يجوز الاستسلام، ومعتمده الأخبار الصحيحة، ومنها ما روي عن حذيفةَ بنِ اليمان: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ما سيكون من الفتن، فقال حذيفة: يا رسول الله لو أدركني ذلك الزمان، فقال: ادخل بيتك، واخمل ذكرك، فقال: أرأيت لو دخل بيتي؟ فقال: إذا راعك بريق السيف، فاستر وجهك، وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل " (١). وفي بعض الأخبار: " ولأن تكن خير ابني آدم " (٢) عَنَى صلى الله عليه وسلم قابيل وهابيل. وصح عن عثمان رضي الله عنه: " أنه استسلم يوم الدار، وقال: لا أحب أن يراق فيّ مِحْجَمة دم "، وكان معه في الدار أربعمائة من الغلمان الشاكين السلاح، فقال: " من ألقى سلاحه، فهو حر" (٣).

فإذاً لاح في الدفع وإن أفضى إلى القتل، وفي الاستسلام قولان: أحدهما - أنه محرّم، والثاني - غير محرّم.

ثم اختلف أصحابنا في تأويل هذا القول، فمنهنم من قال: الاستسلام جائز، ومنهم من رآه مندوباً إليه مستحباً، وإليه إشارة الأخبار في استحسان الإيثار، وإن أدى إلى هلاك المَؤْثر، وهو شِيمُ الصالحين، ويتصوّر من أوجه، يدل البعض منها على


(١) حديث " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " سبق تخريجه.
(٢) حديث: " كن خير ابني آدم "، أخرج أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال عند فتنة عثمان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم " الحديث. وفيه: فإن دخل عليَّ بيتي وبسط يده إليّ ليقتلني، قال: " كن كابن آدم ". وفي الباب من حديث ابن عمر، رواه أحمد، ومن حديث أبي موسى، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان (ر. المسند: ١/ ١٦٩، ١٨٥، ٤/ ٤٠٨، ٤١٦، الترمذي: الفتن، باب ما جاء تكون فتنة القاعد فيها، ح ٢١٩٤، أبو داود: الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتنة، ح ٤٢٥٩، ابن ماجه: الفتن، باب التثبت في الفتنة، ح ٣٩٦١، ابن حبان: ح ٥٩٣١، التلخيص: ح ٢١٤٦).
(٣) حديث استسلام عثمان يوم الدار وصرفه المدافعين عنه، وأنه قال: " من ألقى سلاحه فهو حر " قال الحافظ في التلخيص: لم أجده، وفي ابن أبي شيبة من طريق عد الله بن عامر سمعت عثمان يقول: " إنّ أعظمكم عندي حقّاً من كفّ سلاحه ويده " (ر. ابن أبي شيبة: ١٥/ ٢٠٤ ح ١٩٥٠٧، التلخيص: ٤/ ١٦١ ح ٢١٥٤).