للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على التشوف إليها، حتى لم [يحوَج] (١) حملةُ الشريعة على استحثاث [أهل] (٢) الدنيا على عمارتها، وتهيئة ما فيها من أسباب المكاسب. وقال المحققون: لو فرض انكفاف الخلق عنها، لحَرِجوا من حيث إنهم يكونون ساعين في إهلاك أنفسهم.

والمناكح من الأمور الكلية، وبها بقاء النوع، فلا حاجة إلى الاستحثاث عليها؛ فإن النفوس مجبولة على التشوف إليها.

١١٢٧٢ - ثم إذا تبين أصل الغرض في الدعوتين (٣)، فبعدهما أمور كلية تتعلق بالإدامة والإبقاء، وهذا ينقسم: إلى مصالح الأبدان، وإلى مصالح الأديان.

فأما مصالح الأديان بعد ظهور الإسلام في الخِطة، فيتبعها فنٌّ يترجم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو كتابٌ برأسه لم يهتم به الفقهاء، وبسَطَ مضمونَه الأصوليون، والحاوي لمقاصد هذا الكتاب (٤): الأمر بواجبات الشرع، والنهي عن محرّماته. وذلك شطران: يتعلق أحدهما بالولاية، وهي الأمور القهرية، وأحكام الإمامة. ولا نطمع في الوفاء بها.

والشطر الآخر هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير مكاوحة وشهر سلاح، فهذا على الناس كافة، إذا علموا صدَرَ (٥) أقوالهم عن ثبت، ولا يشترط أن يكون القائم بذلك مجتهداً؛ إذ يتعلق بالولاة أمر العلماء ونهيهم (٦)، وإذا زاغوا،


(١) في الأصل: " يحرج ".
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
ومعنى العبارة: أن الله فطر العباد على التشوف للتملك، والكسب، وإصلاح المعايش، فلم يَحْتج علماء الشريعة وحملتها إلى جهدٍ في حث أهل الدنيا على عمارتها، والسعي في ابتكاراتهم وسائل وطرق الارتزاق والمكاسب، فكان في هذا الاستحثاث الفطري مندوحة عن فرض ذلك وإيجابه عينياً: أي فرض عين، فكان من فروض الكفايات.
(٤) الدعوتين: المراد ما يتعلق بمصالح الدين، ومصالح الدنيا، وليس الدعوتين المشار إليهما آنفاً: الدعوة الحجاجية، والدعوة القهرية.
(٥) أي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٦) صدر: أي صدور، كما أشرنا مراراً من قبل.
(٦) المعنى أن العلماء يأمرون الولاة، وينهونهم، ويبيّنون لهم، وهم يرتسمون أمر العلماء في=