للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين منعُه من الخروج؟ فعلى وجهين: أقيسهما - أنه لا يمنعه؛ لما مهدناه من أن المطالبة لا تحل قبل حلول الأجل وإذا لم تكن مطالبة، فلا مؤاخذة، ولا اعتراض.

والوجه الثاني - أن له أن يمنعه لما أشرنا إليه، من ابتناء السفر على المصير إلى مصرع الموت. وذكر بعض الأصحاب وجهاً فيه إذا خلّف وفاءً أن له أن يمنعه أيضاً، وهذا على نهاية الضعف والبعد.

فينتظم ثلاثة أوجه: أحدها - لا منعَ، وهو الأصح. والثاني - له المنع من غير تفصيل، وهو أضعف الوجوه، والثالث - أنه إن ترك وفاءً لم يمنعه.

وقال قائلون من أئمتنا إذا كان من عليه الدين من المرتزقة، فلا يمنع؛ فإنه مترتب لهذا الشأن، بخلاف ما إذا لم يكن من المرتزقة، وإذا ضممنا هذا التفصيل إلى الأوجه التي قدمناها، صارت الأوجه أربعة.

هذا منتهى القول فيما يتعلّق بالديون، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في معركة القتال يوماً: " من وضع سيفه في هؤلاء مقبلاً غير مدبر، حتى قتل، فله الجنة ". فقال بعض الأنصار، وكانت بيده تمرات يأكلها: " ليس بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ورمى بالتمرات، واخترط سيفه، وكسّر غمده، وانغمس في العدوّ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا أن يكون عليك دين، فعاد وانغمس حتى قتل " (١). فهذا ما يتعلّق بالدين.

١١٢٨٤ - ومما تجب رعايته في الخروج إلى الجهاد الموصوف بكونه فرض الكفاية رضا الوالدين. قال الشافعي: " وبإذن أبويه لشفقتهما " (٢).

فنقول: إذا كان أبواه مسلمين، لم يكن له الخروج إلى الجهاد دون إذنهما.


(١) حديث " من وضع سيفه في هؤلاء مقبلاً غير مدبر ... " رواه مسلم: الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين، ح ١٨٨٥، الترمذي: الجهاد، باب ما جاء فيمن يستشهد وعليه دين، ح ١٧١٢، النسائي: الجهاد، باب من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين، ٣١٥٧ - ٣١٦٠، وأحمد (٥/ ٣٠٤).
(٢) ر. مختصر المزني: ٥/ ١٨١.