ولو أذن الأبوان، ثم رجعا وهو في الطريق، ولكن عسر الرجوع عليه لمخاوف يمتنع العبور عليها من غير جمعٍ واستعداد، فالرجوع غير ممكن، ولكن إذا عسر الرجوع، فيمتد إلى الجهاد ويُتم الغرضَ عازماً على أن ينقلب مع الجند إذا انقلبوا، أم يمكث حيث انتهى إليه؟ الوجه أن نقول: إن عسر المكث كما عسر الرجوع، فلا طريق إلا أن ينبعث مع الجند، ثم يرجع برجوعهم، وإن أمكنه أن يتعلق بقرية ويمكث فيها إلى أن يرجع أصحابُه، فيتعيّن ذلك؛ فإن نهيه تضمن أمرين أحدهما - ترك التحرك إلى الجهاد، والثاني - الإقبال على الرجوع، فإذا تعذر الرجوع، فالوجه ترك المسير في جهة الجهاد، فإن ذلك ممكن.
١١٣٠٦ - ومن الأعذار الطارئة المرض، فإذا طرأ قبل الوقوف، جاز الرجوع، وإن طرأ في أثناء الجهاد، فإن كان الرجوع يورث انفلالاً واختلالاً في الجند، فلا يجوز أن يرجع أصلاً، وإن خاف الموت والهلاك. وإن كان لا يخاف انفلالاً، ففي جواز الرجوع وجهان، ولا يجري هاهنا إلا منع الرجوع أو جواز الرجوع، فأما وجوب الرجوع، فلا ينقدح، بخلاف ما قدّمناه في مسألة رجوع الأبوين.
١١٣٠٧ - ثم تكلم أصحابنا في ملابسة فروض الكفايات. ونحن نأتي بمجموع كلامهم، وننزله على [مدارك](١) الصواب.
فأما من لابس الحرب ولا عذر، وهو من أهل القيام بفرض الكفاية، فلا يجوز أن ينصرف من غير عذر، سواء كان في انصرافه خرمٌ أو لم يكن. هذا ما اتفق أصحابنا عليه، وأطلقوا أقوالهم بأن الجهاد يصير متعيناً بملابسة الحرب على من هو من أهل فرض الكفاية، وإن فرض عذرٌ وخيف انفلالٌ، فلا سبيل إلى الرجوع. فإن ثبت عذر يمتنع به الخروج، ولا خيفة، ففي الرجوع بعد الملابسة التردد الذي حكيناه.
وأما ملابسة العِلْم مع إيناس الرشد، فقد حكينا عن طوائفَ من الفقهاء أنه يمتنع الانكفاف. وأوضحنا أنه غلط، وليس العلم في حكم الخصلة الواحدة التي يفرض التلبس بها، فلا ينتهي الأمر إذاً فيه إلى التعيّن بسبب الملابسة. نعم قد يتعين على