للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخرون: تصح الإجارة، وإن كانت الأعمال مجهولة، وهذا ظاهر النص، وإليه مصير الجماهير، وهو معلل بوجهين: أحدهما - أن المقاصد هي المرعية، ومقصود هذه الإجارة لا يقع إلا على الجهالة، ولا يتأتى فيها التعرّض للإعلام. والثاني - أن المعاملات التي تجري في القتال سيّما إذا كانت المعاقدة مع الكفار تحتمل أموراً لا تحتملها التصرفات الجزئية، والشاهد في ذلك مسألة العلج على ما ستأتي مشروحة -إن شاء الله عز وجل- في دلالته على القلعة.

والذي يحقق هذا أن حكم الجعالة أن المستعمَل المجعول له [له] (١) الخيار في ترك عين [العمل] (٢)، فإن حكمنا بأن هذه المعاملة جعالة، لزم أن يجوز للمشركين بعد الوقوف في الصف أن ينصرفوا أو يتركوا العمل، وهذا الذي جوّزناه يُفضي إلى خَرْمٍ عظيم، لا سبيل إلى احتماله، فلا وجه إلا حمل المعاملة على الإجارة، واحتمال ما فيها من الجهالة.

وقد يرد على هذا الكلام سؤال وجواب عنه، وهو أن أهل الذمة لو حضروا بإذن الإمام (٣)، ثم أرادوا الانصراف بعد التقاء الزحفين، فالرأي أنهم يمنعون من ذلك لما فيه من الضرار، وإن لم يكونوا من أهل الجهاد، لا إذا كان فرضاً على الكفاية، ولا إذا تعين. ولكن سبب منعهم من الانصراف ما في ذلك من النكاية في المسلمين، فلا يبعد حمل المعاملة على الجعالة، حتى يحتمل مافيها من الجهالة، ثم يمتنع انصرافهم لما ذكرناه من امتناع انصرافهم لو خرجوا من غير جعل ولا أجرة إذا وقفوا في الصف.

١١٣١٥ - ولو أراد الإمام أن يستأجر عبيد المسلمين على الجهاد فهذا بناه الأئمة على أصلٍ. والترتيب فيه أنا إن جوّزنا للإمام أن يستأجر المسلمين الأحرار على ما صار إليه طوائف من الأصحاب، فيجوز أيضاً استئجار عبيد المسلمين.

وإن منعنا استئجار الحرّ المسلم، فاستئجار العبد خرّجه الحذّاق على الخلاف الذي


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) في الأصل: " الجعل ".
(٣) بإذن الإمام: أي من غير عقد معه. فلا إجارة، ولا جعالة.