للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يؤخذ من الأموال المباحة بمثابة المغانم، لأنه لا يتصوّر الوصول إليها إلا مع الاستظهار بعُدّةٍ (١)، فقد يحسب الناظر أن سبيل المأخوذ كسبيل الغنيمة، أو كسبيل الفيء، وليس كذلك؛ فإن المغنم والفيء ما كان ملكاً لأهل الحرب، فأظهَرَنا [الله] (٢) عليه، إما بقتال، أو برعب من غير إيجاف خيل وركاب، والمباحات هي التي لم يتعلّق بها ملك.

ثم قال الأئمة: إذا وجد في الصيد ظبية مقرّطة، أو مقرطقة، والمقرط الذي جعل في أذنه القرط، والمُقَرْطَق هو الذي جُزّ صوفه على علامة كالقَرْطَق (٣)، فنعلم أن هذه الظبية مملوكة لمن صادها (٤)، فإذا وجدناها في دار الحرب، فقد تساهل الأصحاب، وقالوا: سبيلها كسبيل الغنيمة. وهذا يجيء على مذهب المسامحة، فإن كل ما يؤخذ من أملاك الكفار لا يكون غنيمة، بل المغنوم ما يؤخذ قهراً بقتالٍ ومكاوحة، وقصدٍ ودفع، وما يتفق الظهور عليه من غير مناوشة وقتال، فسبيله سبيل الفيء.

والغرض مما نذكره يبين بتفصيلٍ:

فنقول: كل ما لو وجد في دار الإسلام، لكان لقطة، فإذا وجد في دار الحرب، فهو مُجرى على ملك الكفار، ثم أخذه يتصوّر من ثلاثة أوجه: أحدها - المغالبة، فما كان كذلك، فهو غنيمة، والآخر - أن يجري انجلاء الكفار عنه بإرعاب وإرهاب من غير إيجاف خيل وركاب، فما كان كذلك، فهو فيء، والثالث - أن يتفق أخذه من غير إرهاب، ولا قتال، وفي هذا القسم فضل تدبّر؛ فإن الأصحاب أجمعوا على أن من دخل دار الحرب مستخفياً وسرق شيئاً، فإنه يختص بما أخذه، وهذا مما ليس غنيمة ولا فيئاً خصصناه لصاحب اليد.


(١) المراد عُدة الصائد وجهده، فلا يدخلن الظن من هنا أنه غنيمة.
(٢) زيادة من المحقق.
(٣) القرطق: مثال جعفر، ملبوس يشبه القَباء. وهو من ملابس العجم (المصباح) وكانوا يجزون الصوف على هذه الهيئة علامة على أن هذا صيد مملوك. قاله الغزالي في البسيط: ٥/ ورقة: ١٦٢ يمين.
(٤) لمن صادها: المراد لمن صادها سابقاً.