للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قال: " إذا التقوا العدوّ، فلا يولُّوهم الأدبار ... إلى آخره " (١).

١١٣٣٥ - إذا تعارض الصفان، وتلاقى الجندان، وقابل كل مسلم من الكفار اثنان، فالفرار يحرم، وكان الأمر في الابتداء شديداً، كما اقتضاه قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} [الأنفال: ٦٥]، فكان يجب على الواحد أن يقف لعشرة، فعظم هذا واشتد احتماله، فخفف الله تعالى عن المسلمين، وقال تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: ٦٦]، فاستقر الشرع على مصابرة الواحد لاثنين، والعشرة لعشرين. هذا هو الأصل.

والفرار وعدد الكفار غير زائد على الضعف مع إمكان المصابرة من الكبائر، وقد توعّد الله تعالى عليه بالوعيد الشديد، فقال عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ... } الآية [الأنفال: ١٦].

ولو التقى جمع من المسلمين بجمع من الكفار، وكان الكفار من الأبطال المنعوتين، وغلب على الظن أنهم يقتلون المسلمين لو صابروا، ولم يولّوا، فهل لهم أن يفرّوا؟ فعلى وجهين: أحدهما - أن لهم الفرار؛ فإن ما في هؤلاء من الأَيْد والنجدة يَبَرُّ معنىً على زيادة الأعداد -ولو زاد عدد الكفار على الضِّعف، لجاز الفرار- من حيث يُغَلِّب (٢) الغلبة، لا من حيث صورة العدد.

وإن زاد عدد الكفار على الضعف، وغلب على الظن غلبتهم، فيجوز الانهزام، وإن لم يغلب على الظن غلبتهم، فيجوز الانهزام لظاهر الحال، وهو الذي يغلب عليه سياق الآية المشتملة على التخفيف. ولو غلب على الظن أنا نغلبهم، بأن كنا أبطالاً، وكانوا مستضعفين، فظاهر المذهب، وجوب المصابرة؛ فإنَّ فرار الرجال الأبطال من الضعفة، وإن زادوا على الضعف، ولا حاجة إليه- ذلٌّ، وليس هذا كفرار


(١) ر. المختصر: ٥/ ١٨٥.
(٢) أي يغلِّب ما في هؤلاء من الأيد والنجدة الظنّ بغلبتهم.