وفي بعض التصانيف أن من تهوّد أو تنصّر بعد تبديل الدينين وتغيّر الكتابين، وقبل مبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم، نظر: فإن تمسك بدين غير مبدّل، وحدث التبديلُ منه، ثم أدركه الإسلام، فلا تقبل الجزية منه، وإن كان ذلك قبل المبعث، وهل تقبل من أولاده؟ فعلى وجهين مبنيين على أن الجزية هل تؤخذ من أولاد المرتدّين؟
وهذا كلام مختلط لا تعويل على مثله، والمذهب القطع بأخذ الجزية ممن تمسك بالدين المبدّل قبل المبعث إذا أدركه الإسلام؛ نظراً إلى تغليب الحقن، فإذا تعلق بالكتاب، فليس كله مبدّلاً، وغير المبدّل منه ينتصب شبهةً في جواز حقن دمه بالجزية؛ إذ ذلك لا ينحط عن الشبهة التي يتمسك بها المجوس؛ فلا ينبغي أن يعتد بهذا، بل الوجه القطع بقبول الجزية، كما قدّمنا ذكره.
١١٤٣٧ - ومما يجب صرفُ الاعتناء إليه السامرة والصابئون، وقد اختلفت النصوص فيهم، فقال في موضع: تؤخذ منهم الجزية، وقال في موضع: لا تؤخذ، فاختلف طرق الأئمة، فذهب ذاهبون إلى أن النصين محمولان على تقديرين، فحيث ألحقهم باليهود والنصارى في قبول الجزية منهم أراد إذا كانوا لا يخالفونهم في أصول الدين الذي يجرى فيه التكفير بينهم، وإنما يخالفونهم في الفروع، أو ما يقع بمثله التضليل، وحيث قال: لا تؤخذ منهم الجزية، حُمل الأمر على أنهم يخالفونهم في أصل الدين، وسبب تردد النصين تردد الشافعي في عقدهم.
وقد ذكرنا في كتاب النكاح هذا التردد في المناكحة، واستحلال الذبيحة، والوجه أن نقول: إن جوزنا مناكحتهم، فلا شك أن ذلك محمول على ظاهر تعلقهم بالتهوّد والتنصّر، ورجوع مخالفتهم إلى ما لا يخرجهم من أصل الملّتين. ثم على هذا لا شك أن الجزية مأخوذة منهم، والتردد في أخذ الجزية يجري على ترتيبٍ سأصفه في آخر هذا الفصل، إن شاء الله.
والذي يعرض في الفكر من أمرهم، أنهم وإن خالفوا في الأصول، فلا يخرج السامرة والصابئون من التمسك بالتوراة والإنجيل، ثم لا ينحط تمسكهم بها عن تمسك المجوس بشبهة كتاب قدِّر لهم.