للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١١٤٤١ - ومما نلحقه بالكتاب الكلام في أولاد المرتدّين. فإن حكمنا لهم بالردّة، فلا تقبل الجزيةُ منهم، وإن حكمنا لهم بالإسلام، طالبناهم به؛ فإن أبَوْا، فهم مرتدون. وإن حكمنا بأنهم كفار أصليون، وآباؤهم المرتدّون متهوّدون ومتنصّرون، فالمذهب أنا لا نأخذ الجزية منهم؛ فإنه لم يثبت لهم جَدٌّ دان بالدين قبل المبعث، ومن أصحابنا من قال: إذا أثبتنا لهم حكم الكفر الأصلي، فنأخذ الجزية منهم، ونجعلهم كالمنتمين إلى جدٍّ دان بدين اليهود قبل المبعث.

وهذا لا أصل له، فإن لم نأخذ الجزية منهم، فلا كلام، وإن أخذناها، ففي استحلال المناكحة، وحِل الذبيحة ترددٌ، والوجه القطع بالتحريم، وأفتى بعضُ الأصحاب بإحلال وطء سبايا [غَوْر] (١) [تهامة] (٢)، وقد ثبت منهم (٣) أنهم ارتدّوا بعد قبول الإسلام، وهذا قولٌ صدر عن عَماية، وقلة دراية، وفيه خرم أصلٍ عظيمٍ اتفق الأصحاب عليه وهو أن الذين تهودوا بعد المبعث لا يُناكَحُ أولادهم. وأولاد المرتدّين شرٌّ منهم، ولم نذكر هذا لتخيل التحاقه بالمذهب، وإنما ذكرته للتنبيه على الغلط فيه، وظهور مناقضة الأصل المتفق عليه، فيجب القطع بالتحريم، بل يجب القطع بأن الجزية لا تؤخذ منهم؛ إذ ليس لهم جدٌّ قد دان بالدين قبل المبعث. ولو كان لهم جدٌّ دان بالدين قبل المبعث، ثم أسلموا وارتدّوا من بعد وحدث لهم أولاد، فالإسلام قطع الاعتصام بالجد العالي. وإنما يؤثر ذلك الجد، لو تواصل التهود، فإذا بطل أخذ الجزية من أولاد المرتدّين قطعاً، فما الظن بالمناكحة والذبيحة؟

ويبقى التردد في أن أولاد المرتدّين هل يسترقون؟ وهذا يجوز خروجه على أنهم كفار أصليون؛ فإن عبدة الأوثان لا يمتنع إرقاقهم على ظاهر المذهب. ومن أصحابنا من منع إرقاق عبدة الأوثان؛ فإن هذا يتضمن أماناً مؤبداً على التوثن.


(١) في الأصل: " يا غور "، والمثبت من البسيط والشرح الكبير، والغاية في اختصار النهاية للعز بن عبد السلام، وفي الشرح الكبير زيادة فائدة أنها (غور تهامة).
(٢) مزيدة من الشرح الكبير والغاية.
(٣) منهم: من هنا مرادفة لـ (عن)، ومثله قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٢].