للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيوظف على الغني عشرة مثلاً، وعلى المتوسط خمسة، وعلى الفقير ثلاثة، أو على وجه آخر يؤدي إليه اجتهاده. ولا ينبغي أن يكون التفاوت في صفات الطعام والإدام، ولو فعل ذلك، لمال الضيفان إلى أطايب الأطعمة، والمنازل الطيبة.

وُيبيِّن أن الضيفان يقيمون ليلة، أو يوماً وليلة، أو أكثر على ما يقع التوافق عليه.

ولعل الأشبه ألاّ تزيد المدة على الثلاث تأسياً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الضيافة ثلاثة أيام، وما زاد صدقة " (١) وقال صلى الله عليه وسلم: " الضيافة ثلاثة أيام، والإجازة يوم وليلة " (٢) [والإجازة] (٣) إعطاء الجائزة، من قولهم: أجازه يجيزه، ومعناه أن يزوّد الضيف ليومٍ وليلة إذا رحل، ويضيفه في الإقامة ثلاثَ ليالٍ.

ولو حصل التوافق على مزيدٍ في الليالي، فلا معترض. ثم الضيافة التي ضربها عمرُ كانت للطارقين من غير اختصاصٍ بأهل الفيء، فإن هذا لو كان على الاختصاص، لأفضى إلى نزاع، فكان الأليق بالمصلحة المطلوبة تعميم الضيافة، وفي طروق أهل الذمة على المضيفين تردّد إن كان ضربُ الضيافة مطلقاً.

هذه صفة الضيافة.

١١٤٤٧ - ثم يتصل بمنتهاها تردّدات للأصحاب في فقه الفصل: فمما اختلف الأصحاب فيه أن الضيافة هل يجوز احتسابها من الجزية، أم حقها أن تكون زائدة على الدينار المأخوذ من كل رأس؟ فمن أصحابنا من قال: يجوز احتسابها من الجزية حتى لا يوظف غيرها؛ فإن المقتدَى في هذا رأي عمر، والذي صح منه أنه لم يطالبهم بالجزية، فهو أحق متبوع؛ سيما فيما يتعلق بالإيالات، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز احتساب الضيافة من أصل الجزية؛ لأن التمليك لا بدّ منه في الجزية، وسبيل


(١) حديث " الضيافة ثلاثة أيام، وما زاد صدقة " متفق عليه من حديث أبي شريح العدوي (خويلد بن عمرو) رضي الله عنه (البخاري: الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ح ٦٠١٩. مسلم: اللقطة، باب الضيافة ونحوها، ح ١٧٢٦).
(٢) قوله صلى الله عليه وسلم: " الضيافة ثلاثة والإجازة يوم وليلة " من ألفاظ الحديث السابق.
(٣) في الأصل: " والإعطاء ".