للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أصل؛ فإنا إذا رأينا صونهن عن الرق في الصورة التي ذكرناها، فيلزم لا محالة أن نقول: كل حربية بذلت الجزية، لزم عصمتها عن الرق، وعلى هذا الوجه يرجع نفي الجزية من النسوان إلى الصور التي نُتْبعهن فيها الرجلَ الذمي؛ فإن الرجل يُعصَم بالجزية، فيشمل الأمانُ أهلَه ومن يتصل به، وهذا على نهاية الضعف، وهو يخرم قاعدةً ممهدة لا سبيل إلى خرقها؛ فإن المرأة لو كانت من أهل الجزية بنفسها، لما تبعت، ولو كانت الجزية في حقها تصونها من الرق، كالجزية في حق الرجل تصونه من القتل، فلا وجه لقول من يقول: تقبل الجزية من النسوان إذا لم يكنْ في القلعة غيرهن.

وقد ذكر القاضي هذا الخلاف، ونقل عنه من يوثق به أنهن يبذلن على أحد الوجهين ما يبذلن، ثم لا يتكرر عليهن؛ فإنه لو تكرر، لكان جزية محققة.

وهذا الكلام، وإن كان صَدَرُه عن محاذرة إلحاق النساء بالرجال، فهو كلام مضطرب؛ فإن ما ذكره لا يكون جزية إذاً. وإنما يكون سبيله سبيل المفاداة، ثم يلزم منه ألا يستفدن بما يبذلن إلا الإعراض عنهن في هذه الكرّة؛ إذ من المحال ألا يتكرر عليهن البذل [ويتأبد] (١) لهن الأمان.

ثم الرجال لو بذلوا مالاً من جهة المفاداة، لم يُعصموا، فإن كان الأمر في هذا إلى رأي الإمام، فلا معنى إذاً لقول القائل: هل يجب علينا قبول المال منهن، بل يجب أن يقال: الأمر إلى الإمام. وسنذكر، إن شاء الله تعالى ما يبذله أهلُ المهادنة من الأموال لا على سبيل الجزية.

ومما ذكره الأصحاب في هذه المسألة، وهو كلام مختلط أيضاً أنهم قالوا: لو كان في القلعة رجل واحد، فبذل الجزية، كان ذلك عصمة لكل من في القلعة من النسوان، ولست أدري كيف يجري بمثل هذا لسانٌ أََنِس بالفقه؛ والرجل الواحد لا يستتبع إلا من يتصل به، كما ذكرناه في صدر الفصل.

وبالجملة إن كان المال من فن المفاداة قبل الظفر، فلا يختص به الرجال عن


(١) في الأصل: " أو يتأبد " والمثبت من (هـ ٤).