فأمّا الاستقبال عند التحرّم، فالذي قطع الأصحاب به وجوبُه؛ فإنا إذا أوجبناه عند الركوع والسجود، فنوجبه في العقد، وكذلك يستقبل في قعوده متشهداً؛ لمكان لبثه، ثم يكون مستقبلاً حتى يتحلل عن صلاته، ولا وجه إلاّ هذا.
فأمّا إذا فرعنا على تخريج ابن سريج ولم نوجب اللبث في الركوع والسجود والقعود، فلا نوجب استقبال القبلة عند إقامة هذه الأركان؛ فإنه يأتي بها مارّاً، فليستقبل صوبَ سفره، كما يفعل ذلك في حالة القيام.
ثم إذا انتهى إلى القعود، فلا يومىء إليه إيماء، ولكن يومىء بالسجود، ثم يعتدل قائماً، ويأتي بالتشهد، فيقع القيامُ بدلاً عن القعود فى حق الماشي، كما يقع القعودُ بدلاً عن القيام في حق العاجز المفترض.
ثم هذا الفصل سيأتي مشروحاً في أن من عجز عن الحركات في صلاته المفروضة، فهل عليه أن يمثل الأركان في قلبه على صورها؟ وسنذكر ذلك -إن شاء الله- في موضعه.
وإذا كان كذلك، فهل يستقبل عند التحريم؟ التفصيل فيه كالتفصيل في الراكب الذي بيده زمام راحلته، وقد مضى ذلك. ثم إن أوجبنا الاستقبال عند التحرم، فهل نوجبه عند التحلل؟ فيه وجهان ذكرتهما في مالك الزمام.
فهذا تمام الغرض في تنفّل الراكب والماشي.
٧٢٩ - ومما يجري في فكر الناظر، أن الراكب لو أوطأ فرسَه نجاسةً، فلا بأس عليه، فليس المتنفل مؤاخذاً بطهارة الدابة، فكيف يؤاخذ بطهارة موطئها؟ نعم! ينبغي أن يكون ما يلاقي الراكبَ وثوبَهُ طاهراً من السرج وغيره.
فأما الماشي إذا مشى في نجاسة قصداً، وكان له مندوحة عنه، فالذي أراه: الحكمُ ببطلان الصلاة.
ولست أرى عليه أن يتحفّظ، ويتصوّن من ذلك ويرعاه؛ فإن كل رخصة متعلقة بما يليق بها من الحاجة، والطريق تغلب فيها النجاسة، والتصوّنُ منها عسر، ورعاية هذا الأمر يُلهي المسافر عن جميع أغراضه في السفر ليلاً ونهاراً.