للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه القصة مما يجب [التشبّث بها] (١)؛ فإن الرد لو كان واجباً ديناً، لما جاز لأبي بصير أن يمتنع، ولأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى مكة حرسها الله تعالى من غير تعرّض لهم، وقد تبيّن أنه لم يُوبخ أبا بصير، بل سرّه ما فعل، وعرّض في أول الأمر؛ إذ قال: مِسْعَر حرب لو وجد أعواناً.

ويخرج من هذا أن الرجوع ليس حتماً ديناً، وكيف يتحتم هذا في وضع الشرع، ولا حق للكفار على هذا الذي أسلم، وإنما يجب الردّ للوفاء بما قلنا؛ حتى تقع الثقة بما يجري العهد عليه؛ والمردود في نفسه ليس معاهداً، فعلينا الوفاء، وذلك المسلم المردود يفعل ما بدا له.

١١٥٢١ - والذي يتم البيان به أنه لو وضع الشرط على أن نرد عليهم من جاءنا، فليس في موجب هذا الشرط التوقف في الرد إلى أن يطلبوه، وليس هذا مقام غُرم حتى يُرعَى فيه طلبٌ ومنعٌ، فكيف الوجه؟ أيجب رده من غير أن يطلبوه؟ قلنا: الذي يقتضيه الرأي أنه لا يُرد من غير طلب؛ فإن الغرم إذا وقف على طلب الزوج، فنفس


=ولكن سياق الإمام للقصة جعل قول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن أبي بصير: " مِسْعَرَ حربٍ لو وجد أعواناً .. " عندما ردَّه مع الرجلين وقبل أن يقع منه ما وقع، والصحيح المروي هو أنَه قال هذا القول بعد ما قتل أبو بصير أحدَ الرجلين وكرَّ راجعاً إلى المدينة.
وقد نبّه ابن الصلاح على هذا قائلاً: هذا غلط؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك عند ردِّه عليهما، والذي رواه البخاري في صحيحه -وغير البخاري- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فقتل أحدَ الرجلين وفرَّ الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه: " لقد رأى هذا ذعراً "، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُتل -والله- صاحبي، وإني ْلمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهما ثم أنجاني الله منهم فقال النبي: ويل أمِّه، مسعر حرب ... إلخ القصة.
(مشكل الوسيط ٧/ ٩٣ بهامش الوسيط). هذا ولم يعلِّق الحافظ في التلخيص على ما وقع في سياق الإمام للقصة.
(١) في النسختين: " التثبت فيها ". والمثبت من تصرف المحقق، فإن القصة في الدرجة العالية من الصحة، كما ظهر في التعليق السابق.